Pages

Thursday, 22 December 2011

علاقات منظمة التحرير الفلسطينيّة مع الحركات الثورية في أميركا اللاتينية و تأثيرها على مواقف دول القارة اللاتينيّة من الصراع في الشرق الأوسط


علاقات منظمة التحرير الفلسطينيّة مع الحركات الثورية  في أميركا اللاتينية و تأثيرها على مواقف دول القارة اللاتينيّة من الصراع في الشرق الأوسط

                                                            س.ر. شلبي



I-                 المقدّمة و الإطار النظري:


          تعتبر أميركا اللاتينيّة إقليما متعدد التواريخ، ومزيجاً مركّباً من ثقافات  محليّة و عالميّة، و بانوراما من الأنظمة السياسيّة، و تراثٍ أدبيّ مميّز، و حضور ديناميكي في العلاقات الدوليّة. و قد كان للفلسطينيين كشعب علاقات مميّزة مع دول و شعوب هذه القارّة منذ أيام الامبراطوريّة العثمانيّة، إما بسبب الهجرة، أو نظراً للتقارب و حتى التشابه في الظروف الاجتماعية و السياسيّة، و حتى الثقافيّة بين الاثنين.

          و منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينيّة في الستينات من القرن الماضي،حرصت على بناء جسور مع بلدان القارّة اللاتينيّة، و التي سرعان ما استقطبت القضيّة الفلسطينيّة اهتمامها، نظراً لأن المناخ الداخلي والدولي كان مناسباً لذلك، الأمر الذي سهّل بناء المنظّمة لعلاقات مع حركات التحرير الوطني في القارّة و القوى التقدّمية الممثلة بالأحزاب، خاصة الاشتراكيّة منها،  أثمرت علاقات متميّزة ستدوم فيما بعد، و خاصة بعد انتصار هذه الحركات الثوريّة و وصول الأحزاب التقدّمية إلى دفّة الحكم.

          حدث ذلك في فترة كانت القارّة اللاتينية فيها تضطرم بالصراع و الداخلي و التناقض مع جارتها الكبرى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، و التي كانت تحرص على أن تكون القارّة اللاتينيّة حديقتها الخلفيّة الهادئة، حتى لو تم فرض هذه الحقيقة بالقوّة، و عبر تنصيب و قلب الأنظمة السياسيّة للبلدان اللاتينيّة المختلفة.  هذا بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينيّة تنقل صراعها مع حليفة الولايات المتّحدة الاستراتيجية "إسرائيل" إلى المحافل الدوليّة، و تنجح في عرض نفسها كحركة تحرر رائدة. الأمر الذي جعل من الطبيعي أن تتحول العلاقة بين حركات التحرر اللاتينيّة، و حركة التحرر الفلسطينيّة إلى أكثر من مجرّد علاقة إسميّة، خصوصاً مع توفّر قوّة عظمى غير الولايات المتّحدة (الاتحاد السوفييتي) تبارك هذا التحالف، و تسعى لاستثماره.

         و قد وجدت الدارسة أنه، و بالرغم من أهميّة هذه العلاقة، إلا أن ما كُتب عنها فِلَسطينيّاً، و من وجهة نظر فلسطينيّة، يكاد لا يُذكَر، ثم إن الكتابات الأخرى حول الموضوع إما أنها تتناول إحدى جزئيات الموضوع، أو إنها دعائيّة، أو لا تتسم بالحياد، و تشير الدارسة في هذا الصدد إلى الكتابات و التقارير الأمريكيّة، و التي اهتمّت بالأساس بعلاقات السلاح بين الفلسطينيين و أميركا اللاتينيّة. و تشير الدارسة إلى كتابات فيكتوريا سكللي و التي ، و إن استندت إلى معلومات و أرقام تسترعي الانتباه، إلا أنها تفتقر إلى الحياد. و كتابات جوليانا بيلون حول معارك أروقة الأمم المتحدة، التي أشارت إلى مسائل تعنى بها الدراسة.

          و ربما يكون العنف الذي اصطبغت به القارة اللاتينية، و خصوصاً أميركا الوسطى  في فترة الثمانينات دافعاً لزيادة القلق الأمريكي بخصوص علاقات الولايات المتحدة مع دول القارة التي كانت تعتبر "آمنة" قبل ذلك الحين؛ مما خلق اهتماماً لدى الباحثين الأمريكيين بما يحدث في حدود الولايات المتّحدة، الأمر الذي تمّت ترجمته بفيض من الكتابات و الأبحاث حول العلاقات بين الأمريكيتين. و لكن هذه الكتابات و المقالات، و إن كانت تغطي بعض اسئلة البحث، و خصوصاً فيما يتعلق بالمحور الاول – و الرابع جزئياً- لهذه الدراسة، إلا انها لا تجيب بشكل واضح عن الاسئلة الاكثر أهميّة في موضوع البحث.

          و على كلٍّ، تبقى المصادر الأمريكية هي الأكثر توفّراً للفترة ما بين الستينات و أوائل الثمانينات، ذلك أن هذه الأخيرة كانت حاضرة في القارّة اللاتينيّة بشكل قوي في تلك الفترة، خصوصاً في أميركا الوسطى. ثم إن كبرى الدوريّات الأمريكيّة في مجال السياسة الدوليّة قد أعادت الالتفات إلى ما يحدث في أميركا اللاتينيّة اليوم. و تشير الدارسة بهذا الخصوص إلى مجلّة العلاقات الخارجيّة، Foreign Affaires، و التي لم يخل أي عدد منها  منذ بدايات عام  2006 من كتابات حول التحول باتجاه اليسار و الحركات الشعبيّة في أميركا اللاتينية.  و على منوالها نسجت الصحف و الدوريات الأمريكية الرئيسة.

          و للتعويض عن النقص في المصادر، فقد قامت الدارسة بتقييم ما أمكن استنباطه من الكتابات الأمريكيّة و بعض الكتابات اللاتينيّة، مقابل معلومات تم الحصول عليها عن طريق أسلوب المقابلة، و ذلك مع شخصيّات عاشت و عملت في الفترة مدار البحث ضمن منظّمة التحرير الفلسطينيّة، و كانت تملك إطّلاعاً على مجريات الأمور. و تتحفّظ الدارسة على أسماء بعض المصادر التي رفض اصحابها الكشف عن هويّاتهم.
         
           أما المسألة أخرى حكمت بشكل أو بآخر هذه الدراسة، فهي قلّة المادّة النظرية التي تهمّ موضوع هذا البحث في النظريات الكلاسيكيّة للسياسة الدولية سواء الواقعيّة، و الواقعية الجديدة، أو الليبرالية؛ و التي لم تكن تضع أية أهمية على الفاعلين غير الدوليين في السياسة الدولية، و هم العناصر الأساسيّة في هذه الدراسة. و حتّى بعد الجدل الذي أفرز المنحى الجديد في النظرية السياسيّة الدوليّة، و الذي ثار في منتصف، و أواخر السبعينات حول هذه المسألة، نظراً لبروز دور القوى من غير الدول، و المنظّمات غير الحكوميّة، و حركات التحرر على وجه التحديد، فقد بقيت الكتابات الواقعية و الليبرالية لا تضع الأهميّة المناسبة على دور المنظّمات. و بما أن الجزء الأكبر من هذه الدراسة يتناول الفترة  التي تقع قبل ذلك، فقد ارتأت الدارسة  أن تتّخذ منظور هذا الاتجاه العولمي Globalist الجديد، و الذي برز في فترة السبعينات في نظرية العلاقات الدوليّة كإطارٍ نظريٍّ للبحث، بالرغم  من ندرة الكتابات التي تتناول موضوع البحث ضمن هذا الإطار، و في تلك الفترة مدار البحث.

          و المسألة التي شجّعت الدارسة على اتخاذ هذا المنحى هي حقيقة أن العولميين يجدون من الضروري التركيز على البنية العامة للنظام الدولي، لفهم سلوك الفاعلين السياسيين من الدول و غير الدول، هذا ضمن المنظور التاريخي ، و الذي لا يتأتى فهم  المناخ الحالي الذي تحدث ضمنه السياسة الدولية بدونه، و هذه مسائل وجدتها الباحثة ملائمة لبنية و اتجاه هذه الدراسة.  هذا بالإضافة إلى تناول النظريّة لمسائل التبعيّة بين دول الشمال و الجنوب، و التي تنجح في تفسير الكثير مما كان يحدث في القارّة اللاتينيّة في الفترة مدار البحث، خصوصاً تلك الفصول التي تتناول علاقات الحرب الباردة،  و تحولات و عمل القوى و المنظّمات و التحالفات في عالم الجنوب ضمن ميكانيزمات الهيمنة للدول العظمى آنذاك.

          و على أيّة حال، فمجال الدراسات الدوليّة لم يعد مقسّماً بشكل صارم بين النظريات الثلاث كما كان عليه الحال في الخمسينات، و لذا فليست هناك حدود مقدّسة تمنع الباحثين من الأخذ بمقولات نظريّة ما عندما يضعون نظريّة أخرى كإطار لبحوثهم. و على هذا، فقد استخدمت الدارسة بعض مقولات النظرّة الواقعيّة، و خصوصاً في الفصل الأخير، للإجابة على بعض التساؤلات التي رأت أن الواقعية تنجح في تفسيرها.

          يبقى القول  بأن مجال هذه الدراسة مجال واسع، و يحتاج إلى أبحاث أكثر شمولاً و تعمّقاً، إذ توجد ثمّة أسئلة بحاجة للإجابة عنها، و قضايا ينبغي التعمق فيها من أجل فهم أوسع لطبيعة العلاقة الفلسطينيّة اللاتينية، و التي ترى الدارسة بأنها ستكتسب أهميّة و أهتماماً أوسع في المستقبل.


و تقع الدراسة في أربعة محاور:

·        أهميّة دول أميركا الوسطى في الساحة الدوليّة:
·        جذور العلاقة بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة و الحركات الثوريّة في أميركا الوسطى (فترة الستينات و السبعينات):
·        التطوّر في موقف دول أميركا اللاتينيّة من الصراع العربي الإسرائيلي:
·        التحوّل نحو اليسار في أميركا اللاتينيّة و آفاق العلاقة:

II-              إشكاليّة الدراسة:

          تكمن إشكاليّة الدراسة في رصد  المتغيّرات المختلفة التي حكمت العلاقة بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة و الحركات الثوريّة اليساريّة في أميركا الوسطى، و تأثيرها على التطوّر في موقف دول القارّة اللاتينيّة عموماً تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

III-          محددّات الدراسة:

          لقد وجدت الباحثة، عبر مراجعة المصادر المتوفّرة، أن ما كتب حول موضوع الدراسة شحيح، خصوصاً فيما يتعلّق بالمصادر العربيّة. و تشير الباحثة في هذا السياق إلى ندرة المواد التي تتناول العلاقات الفلسطينيّة اللاتينيّة ما بعد فترة الثمانينات بشكل عام؛ فحتّى الوثائق الأمريكيّة المنشورة في المواقع المتوفّرة للباحثة موجودة غالباً حتّى الفترة  ما بين 1985-1988، ذلك أنّ قانون حريّة المعلومات الأمريكي FOIA لا يتيح الاطّلاع على وثائق حديثة تخصّ ما يمكن إدراجه في خصوصيّة الأمن القومي الأمريكي.

          هذا من جانب، و من جانب آخر، فإنه لم يكن هناك اعتبار يذكر قبل فترة السبعينات للمنظّمات في النظريّة السياسية، مما يفسّر غياب التحليلات النظرية لدور تلك المنظّمات في السياسة الدوليّة في تلك الفترة.

          هذه الاعتبارات دفعت بالباحثة إلى تحديد المجال الرئيسي للدراسة في الفترة ما بين الستينات و أواسط الثمانينات، و استخدام مصادر إضافيّة كالمقابلات، و الصحف، و غيرها لتغطية الفصل الإضافي الذي يتناول فترة ما بعد أواسط الثمانينات، و ذلك لسدّ الثغرات المذكورة وصولاً إلى استنتاجات الدراسة.

IV-          مصطلحات الدراسة:

·       الحرب الباردة:
          "اصطلاح يطلق على العلاقات الجديدة التي نشات بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية خلال الفترة بين نهاية هذه الحرب وانهيارالاتحاد السوفييتي. عمليا كان قطبا الحرب هما الولايات المتحدة الاميركية و الاتحاد السوفيتى، وكان هدف كل منهما الحصول على مناطق نفوذ عسكري اوسياسي وتوسيعها كلما كان ذلك ممكنا، والطرفان، وان كفا عن استخدام السلاح الا انهما لم يتوقفا عن تطوير قدراتهما العسكرية والدخول في سباق تسلح لم يشهد له العالم مثيلا من قبل. وهذا السباق من ابرز سمات الحرب الباردة اضافة الى سعي كل من الطرفين للاستئثار بمناطق نفوذ علي حساب الاخر وانهاكه عن طريق اشعال حروب محدودة لاستنزاف الخصم ، ولقد التزم الطرفان بالقواعد التى شكلتها هذه المرحلة ولم يتجاوزاها الى حرب ساخنة حتى في اشد الازمات بينهما كما هو الحال في ازمة صواريخ كوبا".(www.ar.wikipedia.org) 
         " استمرت الحرب بين الأعوام 1945 -1990(انهيار الاتحاد السوفييتي). وكان الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه طرفاً من أطراف الحرب وكان هذا الطرف يسمى بالكتلة الشرقية او المعسكر الشرقي. ومن الجانب الاخر، الولايات المتحدة وحلفاؤها وكانوا يعرفون بالمعسكر الغربي او الكتلة الغربية. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يتهمون الاتحاد السوفييتي بنشر الفكر الشيوعي في العالم بينما كان الاتحاد السوفييتي يتهم الكتلة الغربية بنشر الإمبريالية ومنع الحركات الثورية. و قد قامت عدّة صراعات مسلحة بسبب الحرب الباردة كحرب كوريا، فيتنام والغزو السوفييتي لأفغانستان. وظلّت تلك الصراعات العسكرية محدودة لعدم تعرض الكتل الكبيرة أو شعوبها للأذى"(Ibid).
·       مبدأ مونرو:

          وضعه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو عام 1823 م وحمل اسمه ؛ وينص على تطبيق سياسة شبه انعزالية في الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها الخارجية، وظل هذا المبدأ سائداً في محدودية الدور الأمريكي في السياسة الدولية حتى الحرب العالمية الثانية في القرن الحالي حين خرجت أمريكا إلى العالم كقوة دوليّة عظمى.

·       نظام ال Guardia :

          في بداية القرن العشرين، تدخلت قوات المارينز الأمريكية و احتلت نيكاراغوا للفترة ما بين 1909-1912، و مرة أخرى عام 1926. و لتسهيل السيطرة على البلاد -التي كانت موقعاً مهماً لقنال بحري بين قارتين- فقد قام المارينز بخلق الحرس الوطني النيكاراغوي Guardia Nacional de Nicaragua، و الذي عرف باسم ال Guardia. كان المارينز هم الذين يقودون الغارديا (الحرس)، و لكن الجنود كانوا نيكاراغويين. و قد أصبح الغارديا أداة التدخّل الأمريكي في القارة طيلة السنوات الخمسين منذ تاريخه. و منذ ظهور بوادر الثورة ضد التدخل الأمريكي، استخدم جنود الغارديا، و قادتهم من المارينز، العنف الوحشي مع السكان، دون تمييز بينهم و بين الثوار، إذ كانوا يعذّبون و يغتصبون و يقطعون الرؤوس دون تمييز.

·       دكتاتوريّة سوموزا

          مع انتهاء الحرب عام 1933، و انسحاب المارينز، فقد أصبح الغارديا جسماً متنفّذاً ضخماً. و قد سلّم الأمريكيون قيادته إلى أناستاسيو سوموزا غارثيا الذي استخدم الجهاز للوصول إلى السلطة عام 1936، و الهيمنة على البلاد لمدة 45 عاماً. و قد تم اعتبار الغارديا دوليّاً  جيش احتلال في حالة حرب مع الشعب النيكاراغوي، و نسبت  لجنة المحكّمين الدوليّة في جنيف جرائم هذا الجيش، بعد انقلاب عام 1981، الى النظام الذي أطاح به هذا الانقلاب.

·       الحركة الساندينيّة:

          قامت حفنة من الوطنيين النيكاراغويين في عام 1927 بثورة ضد التدخل الأمريكي في بلادهم تحت قيادة أوغوستو ساندينو الذي قام بتشكيل جيش الدفاع عن السيادة الوطنية لنيكاراغوا Ejército Defensor de la Soberanía Nacional de Nicaragua (EDSNN) . و قد قام ساندينو بتنظيم حرب عصابات ضد المارينز و الغارديا استمرت حتى عام 1933. و قد ساهم اعتبار صانعي القرار الأمريكي لحركة ساندينو كعصبة من قطاع الطرق في اعطاء حرية للمارينز و الغارديا في عدم مراعاة قوانين الحرب، الأمر الذي أدى إلى استهداف المدنيين دون تمييز.

·       Fuero Militar:

 Fuero          أو بالبرتغالية Fora ،هو مصطلح و مفهوم قانوني مشتقّ من الكلمة اللاتينيّه Forum ، و تعني المساحة المفتوحه التي تستخدم للسوق، و القضاء، و التجمعات. و قد تطوّر المصطلح ليعني "مجموعة من القوانين المحددة بطبقة أو جسم معين"(en.wikipedia.org/wiki/Fueros)، و يعود أصل الكلمة إلى عصر الإقطاع حيث كان السيد الإقطاعي يمنح ال Fuero لجماعات أو مجتمعات محدّدة بعينها، خصوصاً الكنيسة، و العسكر، لقاء الولاء و الاعتراف بسيادته. و كان هذا النظام منتشراً في إسبانيا و البرتغال، و هو  يملك بعض أوجه الشبه مع نظام العدل العسكري اليوم Military code of Justice.

           و من إسبانيا و البرتغال،  انتقل المصطلح إلى العالم الجديد، حيث يرى الكثير من الدارسين بأن هذا النظام، الذي  أصبح جزءاً من الثقافة العسكريّة في أميركا اللاتينيّه مسؤول إلى حد كبير عن الانقلابات العسكريّة في بلدان تلك القارّة.

·       لاهوت التحرر Liberation Theology، أو الكنيسة المناضلة:

             هو القراءة الثورية للمسيحية التي من خلالها أعاد بعض آباء الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية قراءة المسيحية لمصلحة الفقراء والمعدمين والمظلومين والمهمشين، في ضوء اتجاه الكنيسة لإعادة تكييف علاقتها مع المجتمع. وهي بذلك تمثل انقلابا لاهوتيًا أدى لتوسيع مجال الإيمان، بحيث يشمل المسئولية تجاه الواقع وتغييره، متجاوزا تغيير وإصلاح الضمير والنفس وحسب، وذلك من خلال قراءة تؤكد على أن "الخلاص لا يكون بالتحرر من الخطايا فقط، بل بكل أشكال التحرر الأخرى بما فيها التحرر السياسي والاقتصادي..."، وهي قراءة تزاوج بين الخلاص وتحرر الإنسان، وبين الإيمان والعمل السياسي، وبين ملكوت الله وبناء العالم.
     وإذا كانت هناك إضافة حقيقة قدمتها قارة أمريكا اللاتينية للفكر الإنساني في القرن العشرين، فهي "لاهوت التحرير" الذي يعد بحق إبداعا لاتينيًا خالصًا جدد رؤية المسيحية في القرن العشرين.
     وقد ظهرت حركة (لاهوت التحرير) في الستينيات والسبعينيات من ذلك القرن حينما كانت الأنظمة الشمولية والعسكرية تسيطر على معظم دول أمريكا اللاتينيّة.

·       الغيريللا  أو حرب العصابات Guerrilla:

          على عكس ما توحي به، لا تملك كلمة "غيريللا" علاقة بالغوريللا المعرف، فهي لفظ إسباني مشتق من غيرّا Guerra بمعنى الحرب. و حيث تعني Guerrero المحارب، فإن Guerrilla كما يبدو واضحاً، هي تصغير لكلمة محارب، و بهذا يصبح المفهوم أكثر وضوحاً. فالجيريللا هم محاربون غير نظاميون يقاتلون خارج القانون العسكري. و قد ظهر الغيريللا لأول مرة خلال الانتفاضة الاسبانيــــــة ضد الاحتــــــلال النابليوني (1812-1807)، و لكن أسلوب حرب العصابات يملك جذوراً في التاريخ الغابر.

أسئلة الدراسة:

ý  هل اثرت علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالأنظمة و الحركات الثورية ، في اميركا الوسطى خصوصاً و اللاتينية عمومآ، على موقف دول أميركا اللاتينية تجاه الصراع العربي الاسرانيلي، و إلى اي مدى؟

ý     كيف أثرت علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالحركات الثورية في دول أميركا
ý الوسطى على الأنظمة السياسية في هذه الدول ؟
ý
ý  ما هو الدور الذي لعبته منظمة التحرير الفلسطينية في علاقات دول أميركا الوسطى بالولايات المثحدة و إسرانيل في ظل الحرب الباردة ، و كيف أثر ذلك على القضيّة الفلسطينيّة دوليّاً؟

ý  في ظل التحولات السياسية الجارية الآن في دول أميركا اللاتينيّة لصالح الحركات اليسارية ، هل يمكن الاستنتاج بأن دول القارة اللاتينية ستتحرك بشكل أوسع باتجاه القضية الفلسطينية؟

ý  لماذا لم تنجح الاستراتيجية و التدخّل العسكري الامريكيين في إحدات التغيير المتمثل بنشوء و أستقرار أنطمة صديقة للولايات المتحدة في عموم أميركا الوسطى؟
ý

V-             فرضيات الدراسة:

ý     لعبت منظمة التحربر الفلسطينيّة دورأ مسانداً في دول أميركا الوسطى في فترة
ý السبعينات و ألثمانينات باتجاه ترجيح كفّة انحركات الثورية في تلك المنطقة، خصوصاً في نيكاراغوا.
ý
ý  إن الخصوصية الاجتماعية و السياسية لدول القارة اللاتينية، إضافة إلى أجواء الحرب الباردة، و الدعم الكوبي و السوفييتي؛  كلهأ كانت عوامل ساعدت منظمة التحرير على إنشاء قاعدة عمل واسعة في القارة اللاتينية.
ý
ý  ساعدت علاقات منظمة التحرير الفلسطينيّة بالحركات الثوريّة في أميركا الوسطى علي توسيع عملها السياسي في دول القارة اللاتينيّة، الأمر الذي ساهم في تقدّم القضية الفلسطينية في المحافل الدوليّة في فترة السبعينات و الثمانينات.

ý     أثّرالدور الذي لعبته منظمة التحرير الفلسطينيّة في أميركا الوسطى خصوصآ و
ý اللاتينية عمومآ على موقف دول تلك القارّة إيجابيأ تجاه القضية الفلسطينيّة في
ý المحافل الدولية.
ý
ý  مع صعود حركات اليسار في أميركا اللاتينية، هناك فرصة لتوسيع التعاون الفلسطيني-الأميركى اللاتيني باتجاه ايجاد زخم لصالح القضية الفلسطينية.
ý

VI-          منهج الدراسة:

تتبع هذه الدراسة المنهج الوصفي التاريخي.

VII-      متغيّرات الدراسة:

*    المتغيّر المستقّل: علاقة منظّمة التحرير الفلسطينيّة بالحركات الثوريّة اليساريّة في أميركا الوسطى.

*    المتغيّر المتدخّل Intervening : علاقة منظّمة التحرير الفلسطينيّة بالاتحاد السوفييتي و نظام فيدل كاسترو.

*    المتغيّر التابع: موقف دول أميركا اللاتينيّة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

VIII-   الدراسة:

1-    أهميّة أميركا الوسطى في السياسة الدوليّة:

1.1.                    الخاصرة اللينة للولايات المتحدة: أهميّة الموقع الاستراتيجي:

          بالرغم من أنه نسب لهنري كيسنجر وصفه لأميركا الوسطى بأنها  "خنجر موجه إلى قلب الأنتركتيك" ، و نسب لرونالد ريغن  قوله بأنها "خطر محدق في حديقتنا الخلفيّة"، و لآخرين وصفهم ب "أنها الخاصرة اللينة للولايات المتّحدة"،  إلا أن الاهمية التي كان التي يضعها المخططون الإستراتيجيون الامريكييون للقارة اللاتينية  لم تكن دائماً على نفس هذا المنوال، قد اختلفت كثيراً ما بين القرنين التاسع عشر و العشرين، و من ثم القرن الحالي،و ذلك انعكاساً للتغيرات الجذريّة في العلاقات بين الولايات المتّحدة و دول القارّة.

          و لكن الذي لم يتغيّر هو الأهمية الاستراتيجية التي تحتلها المنطقة، كونها تمتلك المنفذ البحري بين محيطين، الأمر الذي جعلها محط اهتمام  القوى العظمى خلال الحرب الباردة، و جعل منها ساحة لحروب تقوم بها حركات و دول بالنيابة عن القوتين العظميين آنذاك.

          و قد كان الرئيس الأمريكي رونالد ريغن واضحاً، عندما قال في خطابه أمام الشعب في 1986 بأن هناك "خطراً متصاعداً في أميركا الوسطى يهدد أمن الولايات المتّحدة، و هذا الخطر لن يزول: سوف يغدو أسوأ، أسوأ بكثير إذا فشلنا في اتخاذ خطوات الآن. و أنا أتحدث عن نيكاراغوا، حليف سوفييتي على أرض القارّة الأمريكيّة، و يبعد مسافة ساعتين فقط بالطائرة عن حدودنا" (ريغان، 1986)

          كلمات ريغان هذه قد تختصر عموم السياسة الأمريكيّة تجاه أميركا الوسطى طيلة الحرب الباردة. و التي كانت تقوم على التدخّل العسكري، و التخويف، و إنفاق مئات الملايين من الدولارات لدعم أنظمة ديكتاتورية تقمع شعوبها، ولم يجعلها مرشّحة للقبول الأمريكي إلّا كونها معادية للشيوعية.

1.2.                     فشل السياسة الأمريكيّة في أميركا الوسطى:

          منذ نهاية الحروب الإسبانيّة- الأمريكيّة مروراً بالكساد الكبير، قامت الولايات المتحدة بإرسال قوّاتها إلى بلدان أميركا اللاتينيّة 32 مرّة، و قد استخدمت تعديل روزفلت على مبدأ مونرو لتبرير هذا التدخّل. هذا التعديل الذي أتاح للأمريكيين ك "أمّة متحضّرة" أن يتدخّلوا لوقف "الأخطاء المزمنة" في النصف الغربي للكرة الأرضيّة.

          و قد نشطت الولايات المتّحدة في نيكاراغوا منذ عام 1850، و ذلك نظراً لسيطرة هذا البلد على المعبر بين المحيطين الأطلسي و الهادي، و من هناك انطلقت للتدخّل في بلدان القارّة الأخرى، فقد استعرضت الولايات المتّحدة قوّتها في غرانادا  و السلفادور و هندوراس لتخويف الأنظمة و دفعها إلى الرضوخ، و لكن خطأها الأكبر كان دعم دكتاتورية سوموزا في نيكاراغوا، و التي ارتكبت جرائم حرب ضد شعبها، مما اساء إلى أية احتمالات لعلاقات صداقة بين الإدارة الأمريكيّة و هذا البلد،  و كانت هذه عدوى انتقلت بسرعة عبر القارّة.

          و كان من اكبر أهداف الولايات المتّحدة في المنطقة بعد ذلك يتمثّل في منع انتصار الشيوعيين في السلفادور، و قلب النظام الشيوعي الذي أطاح بحليفهم سوموزا في نيكاراغوا، و لذا فقد دفعوا بأكثر من 100 مليون دولار لدعم ثوار الكونترا Contra ضد الساندينيين في نيكاراغوا، و قدّموا ملايين أخرى لتقوية حكومة السلفادور ضدّ الشيوعيين.

         و لكن هذه السياسة، و إن لاقت نجاحات نسبية، فإنها لم تفعل سوى تحويل سلاح القوى اليسارية من البنادق، إلى صناديق الاقتراع، و التي ظل نجاحهم يتصاعد من خلالها إلى أن أصبح الحال على ما هو عليه اليوم

2-    جذور العلاقة بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة و حركات التحرّر في أميركا الوسطى (فترة الستينات و السبعينات):

          ترجع العلاقات بين شعوب وحكومات وحركات التحرر في  امريكا اللاتينية وفلسطين بأصلها الى منتصف الستينيات من القرن الماضي، و ذلك منذ  منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، وانتصار الثورة الكوبية من قبل، و التي أوصلت فيديل كاسترو إلى الحكم ليصبح زعيماً ومثلا يحتذى به من قبل العديد من حركات التحرر في قارة امريكا اللاتينية ، و العالم. و قد ساهم في نشوء هذه العلاقة، وفقاً لأحمد أبو هلال،  الانقلاب الذي قام به الجنرال بينوشية على الرئيس الإشتراكي التشيلي المنتخب ديمقراطيّاً سلفادور الليندي عام 1973، و الذي حدث بصورة دموية انتهت بمقتل الليندي،   مما الهب مشاعر العديد من حركات التحرر في المنطقة و التي بدأت  بالبحث عن حلفاء لها في العديد من دول العالم، واللجوء الى العديد من حركات التحرر لمساعدتها في اسقاط الحكومات الدكتارتورية في العديد من دول القارة.  و قد " كانت الثورة الفلسطينية بكافة فصائلها في ذلك الحين في اوج قوتها وعنفوانها وكانت تعتبر رمزا للنضال ضد الامبريالية العالمية  والصهيونية ومثالا يحتذى به  ومن مصلحة العديد من قوى التحرر في قارة امريكا اللاتينية التقرب منها والتحالف معها  والعمل سويا من اجل تحقيق الاهداف المشتركة  لكلا الجانبين" (أبو هلال، مقابلة)       

           و مع هذا الزخم الذي كانت تكتسبه حركات التحرر في القارة اللاتينيّة- و في العالم ككلّ -في أواخر السبعينات من القرن الماضي،فقد  بدأت الفصائل المختلفة في منظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء  أجهزة تعنى بالعلاقة مع حركات التحرر العالميّة، و كانت أولى الفصائل التي عملت في الساحة اللاتينية هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و التي سبقت باقي الفصائل في إقامة العلاقات مع حركات التحرر اللاتينيّة، خصوصاً مع حركة MIR اليساريّة المتطرّفة في تشيلي، و مع تشي جيفارا. فعندما قامت مجموعة تابعة لأيلول الأسود و مرتبطة بالجبهة الشعبيّة باحتلال السفارة الأردنيّة في سانتياغو، كان رجال ال MIR من وفّر لهم التغطية.  و في أعقاب عمليّة عنتيبي، قام التشيلي يائل الأريا  Jael Al Arya، بالتفاوض مع الإسرائيليين عن الجبهة، و قد قام الإسرائيليون بقتل الرجل و الذي كان يعمل كصلة بين الجبهة و حركة MIR، خصوصاً فيما يخصّ تمويل الجبهة. (مصدر، تشيلي)

          و قد اهتمّت المنظمة بأميركا اللاتينيّه لأن  القضيّة الفلسطينيّة استقطبت  اهتمام حركات التحرّر اليساريّة هناك ،ذلك أنه، و بعد انتصار الثوار الفيتناميين عام 1973، تم تسليم راية التحرر من قبل الفيتناميين للمقاومة الفلسطينيّه و التي أصبحت مرجعيّة لحركات التحرر العالميّة. و قد ترافق هذا مع ظهور ما يدهى بلاهوت التحرر، أو الكنيسه المناضلة، و التي بدات في كولومبيا على يد كاهن يدعى كاميليو توريس، و انتشرت في باقي بلدان أميركا اللاتينيّة بعد ذلك. و قد تولى بعض المنتمين إليها مواقع قيادية مهمة في حركات التحرر اللاتينيّة كإرنستو كاردينال، الكاهن النيكاراغوي الذي أصبح احد قادة الساندينيستا، و وزيرا في الحكومة الساندينيّة بعد انتصار الثورة. و قد كانت هذه الحركة مناصرة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

          و بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فقد ساعد المنظّمة على إنشاء علاقاتها في القارة اللاتينية  وجود جاليات فلسطينيّة كبيرة في القارة، و خصوصاً في أميركا الوسطى التي شهدت هجرات فلسطينيّة منذ نهاية القرن التاسع عشر، بدءاً بالهندوراس، و مروراً بالسلفادور فنيكاراغوا، ثم غواتيمالا و بيليز، و أخيراً كوستاريكا.

          و قد أصبح بعض المتحدرين من أصول فلسطينيّه في نيكاراغوا من" العناصر الفاعلة في التنظيم الثوري السانديني قبل أن ينجح هذا التنظيم في الإطاحة بسوموزا، و منهم سليم و ألبرتو شبلي، و الشاعرة سعاد ماركوس فرج" و شغل بعضهم مناصب مهمّة في حكومة الثورة، منهم "يعقوب ماركوس، الذي عُيّن وزيراً للصحّه".(روبيدو و آخرون، 140) كما أصبح آخرون قادة في حركات تحررأخرى "كألبير فيّاض الذي قاد حركة ثوريّة في كولومبيا، و شفيق حنظل، الذي كان أحد قادة فارابوندو مارتين في السلفادور" .(عبد الواحد، مقابلة)

          و قد تم تتويج هذه العلاقات التي نشأت في وسط خصب بتأسيس جهاز حركات التحرر في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" تحت قيادة خليل الوزير (أبو جهاد)، في السبعينات، و الذي عمل على تعميق و تعزيز هذا التعاون، إذ، و وفقا لحسني عبد الواحد،  يؤكد العديدون ممّن عملوا في منظّمة التحرير على أن معسكرات المنظّمة دربت العشرات من قادة و كوادر الحركات الثوريّة اللاتينيّة، لا سيما الساندينيين، و امدّوهم بالسلاح سرّاً.

          أما منظّمة التحرير ككلّ، فقد ركزت في سياستها الخارجيّة في قارة امريكا اللاتينية  في ذلك الحين على "وقف الزحف الصهيوني تجاه  دول المنطقة،  و تعطيل تعاونها مع الدولة الصهيونية  وفضح اهداف الصهيونية ودولة اسرائيل، وتبيان سياستها القائمة على اغتصاب حقوق الاخرين وتعرية مواقفها امام شعوب المنطقة املا في عدم التعاون معها على المستوى الشعبي اولا والرسمي ثانيا او على الاقل تحجيم دورها في المنطقة الى ادنى مستوى" (أبو هلال، مقابلة).

          و وفقاً لأبو هلال، فقدد عمدت م ت ف، للأسباب المذكورة، الى التواصل مع العديد من الانظمة الاكثر شعبية في القارة وخاصة التي توصف بالمحافظه والتي وافقت على أن تقوم المنظّمة  بفتح مكاتب اعلام لها  في هذه الدول مستعينة بابناء الجالية الفلسطينية ،وقد أدّى هذا العمل الى  توسيع دائرة التضامن مع العديد من شعوب المنطقة، التي كانت تبتعد عن الانظمة الدكتاتورية باتجاه الحركات اليساريّة، و التي كانت تحرص على عدم التعاون مع الانظمة  القاهرة لشعوبها، و ترى في المنظّمة حركة تحرر وطني رائدة.

          و في البدايات، لم تكن م ت ف لتضع شروطا في علاقاتها مع الاحزاب في الدول التي تربطها بحكوماتها علاقات جيدة،  وقد اتسمت سياستها تجاه هذه الدول الصديقة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لاي منها ، و ذلك من منطلق أن  القضية الفلسطينية بحاجة لدعم كافة القوى المحبة للسلام في العالم بما فيها الاحزاب التي تقف الى جانب القضيّة الفلسطينيّة، حتى الاحزاب المعروفة بالمحافظة،  ما دامت تقف الى جانب الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ، و لكن الأمر تطوّر بعد الاعتراف السوفييتي الرسمي بالمنظّمة.


          هذا التحرك من قبل فصائل  المنظّمة في دول القارّة، و خصوصاً في دول  أميركا الوسطى ،ساعد ضمن الظرف الدولي القائم آنذاك، و المثمثل بأجواء الحرب الباردة و الصراع ما بين المعسكرين الرأسمالي و الاشتراكي، على خفض مدى تأييد  هذه الدول لإسرائيل ، وفقاً لأرقام وزارة الخارجية الإسرائيليّة، وانعكس هذا الأمر خصيصًا في الأمم المتحدة والهيآت المنبثقة عنها. هذا بالرغم من أن علاقات إسرائيل مع دول أمريكا اللاتينية إبان الخمسينات والستينات كانت على مستوىً عالٍ، إذ كانت هناك مشاريع مشتركة بين إسرائيل و دول القارّة  في مجالات الزراعة والطب والمنظمات التعاونية وتطوير المناطق الريفية والتطوير الإقليمي والمجتمعي. كما شارك الآلاف من اللاتينيين في مشاريع دراسية في إسرائيل.

2.1.                     الحرب الباردة: المنظّمات الثوريّة و حروب بالنيابة:

          كان هدف حركات التحرر اللاتينية- و التي كان يتزعّمها حليف السوفييت الزعيم الكوبي فيدل كاسترو- من تحالفها مع م ت ف منذ البداية  هو تشكيل جبهة عريضة في النضال ضد الامبريالية العالميّة و الصهيونيّة. أما الهدف الثاني فقد كان  الحصول على اكبر دعم ممكن  من اجل اسقاط انظمة الحكم الدكتاتورية المدعومة أمريكيّاً في العديد من دول القارة،  ،ولم يكن هدف هذا التحالف فقط متمثّلاً بحركات التحرر، بل تعدى ذلك الى العديد من الاحزاب اليسارية والثورية سواء الشيوعية منها او الاشتراكية او الوطنية.  وقد امتد هذا التحالف فيما بعد من تشيلي والارجنتين في جنوب القارة الى المكسيك ونيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا في امريكا الوسطى وامريكا الشمالية وغيرها.

          و قد  أعلن الاتحاد السوفييتي عن دعمه العلني لمنظّمة التحرير الفلسطينية عام 1969، و كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح قد سيطرت حينها على المنظّمة. و قد اجتمع ممثلوا المنظّمة علنا مع منظّمات سوفييتيّة رسميّة، و تم تتويج الإعلان بتعهد كاسترو بتقوية المحور الفلسطيني الكوبي، بينما بدأت المنظّمة  بالتدريب المشترك لمقاتلي العصابات في معسكراتها في لبنان، و اليمن الجنوبي، و ليبيا.

         كانت العقبة الأخيرة أمام التعاون الفلسطيني-الكوبي هي الاعتراف الكوبي الدبلوماسي بدولة إسرائيل، و لهذا فقد أعلنت هافانا في مؤتمر دول عدم الانحياز عام 1973 عدم اعترافها بإسرائيل، و قامت بعدها بعام بافتتاح أوّل مكتب تمثيل للمنظّمة في أميركا اللاتينيّه. و بدأت دول القارة بالاحتذاء بكوبا، فسرعان ما تبعتها نيكاراغوا، و بنما، و جمايكا، و كوستاريكا، و غويانا، و المكسيك، و البرازيل، و كولومبيا، و فنزويلا.

          و مع ثبات أقدامها في القارة اللاتينيّة، شنّت المنظّمة حملة دبلوماسيّة دولية مستخدمة الأمم المتّحدة كقاعدة لها، و بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي، و فازت بوضع "مراقب" في الهيئة وفقاً لقرار (32) و الذي صوّتت لصالحه كلّ من البرازيل،  و بيرو، و فنزويلا؛ بينما عارضته بوليفيا، و كوستاريكا، و نيكاراغوا، و امتنعت ثماني دول لاتينيّة عن الحضور.

          وقد نجححت السياسة الفلسطينية في تحقيق العديد من الاهداف واجتذاب شعوب واحزاب كثيرة في دول هذه القارّة الى جانب القضية الفلسطينية، مما ادى الى حدوث تغيير واضح في سياسة بعض هذه الدول ووقوفها بثبات الى جانب فلسطين في صراعها مع الصهيونية العالمية في كافة المحافل الدولية واروقة الامم المتحدة؛ وقد تجلي هذا الدعم للمرة الاولي في فبراير عام 1974 لدى انعقاد مؤتمر المرأة العالمي في مدبنة مكسيكوستي، إذ اقر المؤتمر ، ولاول مرة،  في بيانه الختامي فقرة تنعت الصهيونية بانها حركة عنصرية.  وبعد اقل من عام من هذه الادانة، اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا تعتبر فيه الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية. وقد قامت الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل والصهيونية العالمية بمعاقبة المكسيك لهذا الموقف مما ادى الى خسارتها لما لا يقل عن عشرة مليار دولار في القطاع السياحي .

          و في منتصف السبعينات، دخلت المنظمة في "الحروب بالنيابة" التي كان كاسترو و حلفاؤه يقومون بها لصالح المعسكر الاشتراكي. و ساعدت الكوبيين أثناء الغزو الأمريكي لخليج الخنازير في كوبا. حتى أن تقارير استخباراتيّة أمريكيّة اتهمت المنظّمة بأنها قاعدة لنشر الشيوعيّة في أميركا الوسطى، و أنها تستخدم نيكاراغوا لدمج النضال الثوري فيها مع السلفادور و هندوراس. ذلك أن الفلسطيني شفيق حنظل، قائد الحزب الشيوعي السلفادوري آنذاك، كان و حزبه عضوا في تحالف فارابوندو مارتي Farabondp Marti و هو تحالف لقوى "التمرّد" في السلفادور.(Scully, 1983)

          و قد فتحت م ت ف علاقات منذ 1972 مع البيرونيين  Movimiento Peronista Montoneroفي  الأرجنتين، و هي الحركة التي اعلنت مسؤوليتها عن اغتيال الرئيس الأسبق يوجينيو أرامبورو. هذا في ذات الوقت الذي كلّفت فيه عصام بسيسو بفتح علاقات مع اتحادات الطلّاب في البيرو.

          و في فبراير من عام 1974،   قامت م ت ف ، و خصوصاً حركتي فتح و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالمساعدة في تشكيل التنسيق الثوري المشترك Junta de Coordinacion Revolucionaria  الذي أسس لنشاط الغيريللا في تشيلي و الارجنتين. و انضمّت إلى هذا الجسم:

* حركة العمل الثوري Movimiento de la Quierda Revolucionariaمن تشيلي.
* جيش الشعب الثوريPeople's Revolutionary Army من الأرجنتين.
* جيش التحرير الوطني National Liberation Armyمن بوليفيا.
* توباماروس Tobamarosمن الأوروغواي.

          و  التقى أبو جهاد في عام 1982 مع جماعات سرّيّة بوليفيّة  لفتح جسور اتصال مع بنما و كوستاريكا، بعد أن كان ياسر عرفات قد التقى الرئيس البنمي أريستيدس رويو Aristides Royo عام 1979 لغاية فتح مكتب تمثيل فلسطيني في ذلك البلد!

           ثم إنّ المنظّمة استخدمت علاقاتها العربيّة لإقناع فنزويلا بتركها تعمل على حدودها مع مجموعات من الغيريللا الكولومبيّة، و السماح للجبهة الشعبيّة بالعمل مع M-19 و هي حركة ماركسيّة لينينيّة كولومبيّة . و بما أن فنزويلا كانت معنيّة بالانضمام إلى أوبك، فقد قبلت بذلك.

          ولم تكن كل دول القارّة سعيدة بهذا التطوّر للأمور، فقد أفرد الرئيس الكوستاريكي لويس ألبرت مونجي في عام 1982 م ت ف و ليبيا بكونهما تشكّلان، بتدريبهما للماركسيين الشباب،  التهديد الأساسي للأمن في بلاده. و لمّا خلف ميغيل دي لا مدريد Miguel de la Madrid سلَفه الرئيس المكسيكي لويس إيكيفيريا Luis Echeverria (و الذي كان قد سمح ل م ت ف بفتح مكتب تمثيل في بلاده) لمّا خلفه في الحكم، فقد رفض منح صفة التمثيل الدبلوماسي لعضو المنظّمة أحمد صبح، و المتطوعين معه في مكتب الممثّليّة.

2.2.                     منظمة التحرير الفلسطينيّة و ثورة الساندينيستا:

          كانت نيكاراغوا إحدى دول اميركا اللاتينيّة التي دعمت و ساندت قيام إسرائيل، ثم إنها امدّتها بالدعم و السلاح اللذين كانت تحتاجهما في أيامها الأولى.  و قد استمر نظام سوموزا الذي يحميه حرس الغارديا بقيادته الأمريكيّة في دعم إسرائيل، في ذات الوقت الذين شن فيه حرباً ضد شعبه، سواء هؤلاء الذين يقفون مع الثوار الساندينيين، أو هؤلاء الذين اختاروا الحياد.

          و كانت محادثات المنظّمة، و بالذات فصيلي الجبهة الشعبية، و الجبهة الديمقراطيّة، قد بدأت مع قيادة جبهة الساندينيستا FSLN: Fronte Sandinista Para la Liberacion de Nicaragua في نيكاراغوا منذ عام 1969. و قد كانت هذه المحادثات تتم مع قادة الساندينيستا آنذاك بيدرو أراوز بالاثيوس توماس بورجي Pedro Arauz Palacios Tomas Borge، و إدواردو كونتريراس Edwardo Contreras و اللذان تلقّيا تدريباً عسكريّاً في معسكرات المنظّمة في لبنان. لذا لم يكن غريباً أن تساند المنظّمة حلفاءها في الانقلاب على دكتاتوريّة حليف الأمريكيين سوموزا ، خصوصاً و أن  هذا الأخير كان قد دخل في حرب لصالح الولايات المتّحدة لهز استقرار نظام أربنز Arbenz الماركسي في غواتيمالا.

          كان بيدرو توماس بورجي الصلة التي يتم عن طريقها إدخال الدعم التقني من م ت ف،  و الأسلحة من شمال كوريا و فيتنام إلى نيكاراغوا و السلفادور و هندوراس.

          و قد أصبحت العلاقات بين م ت ف و الساندينيين علنية في 5/2/1978، إذ قام عصام سلي Isam Sli عن  الجبهة الديمقراطيّة بإصدار بيان مشترك من مكسيكو مع الساندينيين أدانا فيه الإمبرياليّة الأمريكيّة، و الصهيونيّة الإسرائيليّة. كما انه، و في أول احتفال بانتصار الساندينيستا في عام 1980، تمت دعوة الرئيسين فيدل كاسترو و ياسر عرفات إلى جانب الروس كضيوف شرف. و يقال بأن عرفات رد عندما خاطبه بورجي بقوله "إن قضايانا مترادفة" بقوله: "الروابط فيما بيننا ليست جديدة؛ أعداؤكم أعداؤنا".

          ثم إن الناطق الإعلامي بلسان الساندينيين، خورخي ماندي، قد صرح في 7/6/1979 لصحيفة الوطن الكويتيّة بأن "هناك وحدة دم منذ زمن طويل بيننا و بين الفلسطينيين، و كثير من الوحدات التي تنتمي إلى الحركة الساندينيّة كانت في القواعد الثوريّة الفلسطينيّة في الأردن. ثم إن الدم الفلسطيني و النيكاراغوي نزفا معاً في بداية السبعينات في عمّان و أماكن أخرى خلال معركة أيلول الأسود، و لذا فمن الطبيعي أن نكون، خلال حربنا ضد سوموزا، قد تلقّينا دعما لثورتنا من منظّمة التحرير الفلسطينيّة".(Nicaragua 1984)

          و قد تعاملت الحركة بعد وصولها إلى السلطة في يوليو من عام 1979 مع م ت ف كحكومة، و تم افتتاح سفارة فلسطينيّة كاملة التمثيل في ماناغوا. و بهذا أصبحت  لفلسطين ثاني سفارة فلسطينية في القارة بعد هافانا/ كوبا.

          و تشير تقارير أمريكيّة إلى أن م ت ف كانت تملك 13 معسكراً تدريبّاً في الساحل الشمالي الغربي لنيكاراغوا لتدريب الثوار، و قد ظلّت تدير ثلاثة من هذه المعسكرات على الأقل حتّى مطلع الثمانينات. و تشير ذات التقارير إلى أن مجموع ما أقرضته المنظّمة لثورة الساندينيستا بلغ حوالي 12 مليون دولار.(Ibid)

          و على ما سبق، يمكن الاستنتاج بأن منظّمة التحرير الفلسطينيّة قد لعبت دوراً فاعلاً في وصول الحركة إلى الحكم، و بالتالي أثرت، مع عوامل التأثير السوفييتي و الكوبي،  على المشهد السياسي في أميركا الوسطى. و يؤيد أحمد أبو هلال، و حسني عبد الواحد هذا الرأي بدرجات متفاوته، فبينما يرى أبو هلال أن م ت ف نجحت في التأثير على النظام السياسي في نيكاراغوا، يرى عبد الواحد أن انتصار الحركة جاء بناء على العامل الداخلي، و لكنه لا ينفي أن دور م ت ف كان دوراً مسانداً، و إن كانت للمساندة الكوبية كلمة أعلى.

3-    التطوّر في موقف دول أميركا اللاتينيّة من الصراع العربي الإسرائيلي (فترة الثمانينات):
          
           يبدو لأي ذي عيان بان تحوّلا جذرياً قد حدث في أميركا اللاتينية تجاه فلسطين منذ 29/11/1947 و هو اليوم الذي أجرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تصويتًا على إقامة دولتين: إحداهما يهودية والأخرى عربية على الأراضي الواقعة في حدود الانتداب البريطاني لفلسطين، عندما أيدت 13 من أصل 20 دولة في أمريكا اللاتينية هذا القرار.  فهناك فرق كبير بين ذاك اليوم  و مثيله بعد أربعة عقود. فنيكاراغوا، التي ايّدت إسرائيل و دعمتها بالمال و السلاح آنذاك، اختارت أن ترفع مستوى علاقاتها في الثمانينات من القرن الماضي مع غريمة إسرائيل الرئيس إلى أعلى المستويات، و تمنحها امتيازات لم تفقدها حتى بعد وصول المحافظين إلى الحكم عام 1989. و اليوم. و الولايات المتّحدة التي كانت تعتبر القارّة اللاتينيّة حديقة قصرها الخلفيّة لم تتمكّن من انتهاج سياسة سليمة تساعد على استقرار أنظمة صديقة لها في القارّة، و عجزت عن وقف التعاون الفلسطيني مع حركات، و أحزاب، و حتى حكومات في القارّة المجاورة لها.
3.1.                    إعلان الدولة:

          لدى اعلان قيام الدولة الفلسطينية في الخامس عشر من نوفمبر عام 1988  في الجزائر، قامت العديد من الدول اللاتينيّة برفع مستوى التمثيل الفلسطيني في دولها من مكتب اعلام الى ممثلية فلسطين  امثال المكسيك  والبرازيل؛ ففي النصف الثاني من السبعينات كان هناك العديد من المكاتب الاعلامية ل م ت ف  وكان اولها في المكسيك عام 1976 وتلا ذلك مكتبا البيرو عام 1978 واخر في البرازيل من نفس العام  لهذا ومع اطلالة التسعينيات كان هناك خمسة بعثات فلسطينة في دول القارة .

3.2.                    العلاقات الفلسطينيّة مع بلدان أميركا اللاتينيّة بعد أوسلو:

          أصبح العامل  الخارجي يلعب دوراً أساسيّاً في العلاقات الفلسطينيّة اللاتينيّة منذ أوسلو، إذ انتقلت المنظّمة من كونها حركة ثوريّة إلى ما يشبه الدولة، و من الطبيعي أن تختلف طبيعة علاقات حركات التحرّر عن علاقات الدول، و التي لا تزال تعتبر الوحدات الفاعلة في العلاقات الدوليّة و المجتمع الدولي، بالرغم مما قد تمتلكه أيه منظّمة من تأثير في السياسة الدوليّة. و لنقل أن أحد أوجه الاختلاف –وقد لا يكون الأهمّ- يقع في المضمون. و يظهر هذا الأمر في حقيقة أنه بينما كان الجانب السياسي، و العسكري إلى حدّ ما،  يغلب على طبيعة العلاقة الفلسطينيّة-اللاتينيّة ما قبل أوسلو، فقد أصبحت الجوانب الاقتصاديّة، و التقنية، و الثقافيّة حاضرة بشكل أوسع في هذه العلاقة؛ فقد تم عقد العديد من الاتفاقيات بين هذه الدول والسلطة الوطنية الفلسطينية  مثل اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي مع حكومة تشيلي وكذلك مع حكومة كوبا والارجنتين  وغيرهما اضافة الي الى ابرام اتفاقيات بين الجامعات الفلسطينية وبعض الجامعات في بعض الدول كجامعة بيت لحم وجامعة القدس وغيرهما.

          و بهذا يكون جوهر و مضمون العلاقات قد اختلف، فبينما كانت علاقة فصائل المنظّمة قائمة مع أحزاب سياسيّة على الأغلب، فقد أصبح الطابع الرسمي غالباً بسبب تحوّل العلاقة إلى علاقة مع دول.

          و هنا يتّضح تأثير العامل الخارجي، و الذي يتمثّل بمدى الشرعيّة التي يعطيها المجتمع الدولي لعلاقات شبه-الدولة الوليدة هذه، و التي تحدد بدورها مستوى التمثيل الرسمي الذي تتمتّع به شبه –الدولة في الساحة الدوليّة؛ فتوقيع اتفاقية اوسلو بين م ت ف وحكومة اسرائيل، واعتراف القوى المهيمنة على الساحة الدوليّة بهذه الخطوة، قد أدّيا إلى  رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في العديد من دول العالم، و منها دول في أميركا اللاتينيّة،  الى مستوى سفارة او ممثلية او بعثة او مفوضية. و لكن هذا التمثيل يبقى مرهونا بمتغيّرات القوى على الساحة الدوليّة، و رضاها أو عدمه عن "سلوك" من يحكم في شبه- الدولة الفلسطينيّة. و بهذا يقع الاختلاف في جوهر و مضمون العلاقات الدولية الفلسطينيّة.

          و على أية حال، فقد أفضت أوسلو إلى قيام بعض دول أميركا اللاتينيّة بفتح بعثات لها لدى السلطة الوطنبية الفلسطينية  وهي التشيلي والبرازيل والمكسيك وفنزويلا. كما ان هناك العديد من التمثيل الغير مقيم لفلسطين في العديد من دول القارة مثل بليز  بوليفيا الاكوادور فنزويلا اضافة الى دول امريكا الوسطى.

          و بعد انتهاء عصر الدكتاتوريات في العديد من دول القارة  والتحول الديمقراطي في جميع دول المنطقة تقريبا ووصول العديد من الاحزاب الصديقة ل م ت ف لسدة الحكم ديمقراطياً، فقد  ازداد اعتراف هذه الدول بفلسطين وتم افتتاح  ممثليات لفلسطين في كل من سنتياغو تشيلي عام 1994 والارجنتين ، وفي عام 1995 تم افتتاح بعثة فلسطين لدى حكومة كولومبيا . و بهذا يكون تأثير الفلسطينيين كثورة قد آتى بعض الثمار، على الأقلّ، عندما تحوّلوا إلى شبه –دولة.

4-    التحوّل نحو اليسار في القارّة اللاتينيّة و آفاق العلاقة:

          شهدت القارة اللاتينية في السنوات الأخيرة تغيرات دراماتيكيّة تكاد توصف بأنها انتقال من حقبة إلى أخرى، فهذه البلاد، التي كان يحكم السياسة في معظم بلدانها دستور العسكر Fuero Militar ، و التي بدأت تشهد تحوّلاً باتجاه الديمقراطيّة منذ منتصف الثمانينات، بدأت تشهد مؤخراً تحوّلاً باتجاه اليسار، و اهتماماً بتوسيع العلاقات مع الدول و الحركات اليساريّة، و دول العالم الثالث.  و قد جاء فوز موراليس  في بوليفيا ليلحق بـ هوغو تشافيز في فنزويلا، ولولا داسيلفا في البرازيل، ونيستور كيرشنر في الأرجنتين، وتاباري فاسكيز في الأورغواي، وريكاردو لاغوس في التشيلي تعبيراً عن يقظة شعوب القارة التي بدأت تعي جيداً التحولات الإقليمية والدولية وضغط العولمة الاقتصادية ومضار التبادل الحر مع أمريكا. و بدا  أن هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة لأكثر من عقد من الزمان قد بدأت بالتحلل، فبالرغم من وجود علاقات اقتصادية و سياسيّة و ثقافية، و حتى عسكرية للولايات المتحدة  مع دول المنطقة، إلّا أن هذه العلاقات لم تعد لها نفس المضامين السياسيّة التي كانت تملكها منذ عشر سنوات، أو حتّى أقلّ من ذلك.

          و قد كانت لهذه التغيرات دلالات واضحة على مستوى العلاقات الدوليّة، إذ بدت دول القارة تظهر علامات على توجهات متعددة الجوانب من الناحية الدبلوماسيّة، و غدت تُظهر اهتماما أكبر بالعلاقات مع دول آسيا، و أوروبا، و تلك المناطق التي كانت تربطها  بها علاقات وثيقة عبر السنوات الماضية. و بالإضافة إلى هذا الميل، يظهر هناك تحرك جدّي ضمن دول أميركا اللاتينية باتجاه التكامل و الاندماج بين مناطقها من أجل توسيع اقتصادها و تعزيز هويتها وحضورها على الساحة الدوليّة.

          فبعد عقود من الهيمنة الأمريكية على مقاليد السياسة والتجارة والاقتصاد في القارة، وجعلها سوقاً للأسلحة والتهريب وعصابات المافيا والفساد المالي، بدأت هذه الأخيرة تختار الابتعاد عن واشنطن عبر التقدم خطوات على طريق التقارب الشامل فيما بينها، وقطع العلاقات الاقتصادية مع أمريكا. هذا التوجه الجديد التي تتزعمه فنزويلا وكوبا برز بالخصوص خلال القمة اللاتينية التي وجّهت ضربة قاصمة للإدارة الأمريكية عندما صادقت على الاندماج الاقتصادي والتعاون المشترك، وعبرت عن رفضها لالتزامات اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن. وفي يونيو 2005 عقدت فنزويلا التي تشكل خامس بلد مصدر للنفط والعضو اللاتيني الوحيد في منظمةأوبك للدول المصدرة للنفط اتفاقاً مع أربعة عشر بلداً في القارة من أجل مدها بالنفط بأثمان مناسبة، أطلق عليه اسم بيتروكاريبي، كخطوة أولى في اتجاه الاندماج الشامل بين بلدان القارة. وفي نفس الإطار تقدمت فنزويلا وكوبا باقتراح اتفاقية للتبادل الحر بين دول القارة (ألبا) في مواجهة الاتفاقية القديمة مع واشنطن(ألكا).

          هذا التحول الكبير في السياسة الأمريكيةـ لاتينية عكسه على نحو خاص فوز موراليس في بوليفيا الذي ينحدر من السكان الأصليين في البلاد، وهي المرة الأولى التي يصل فيها للحكم شخص من السكان الأصليين منذ نهاية القرن التاسع عشر، ما يعني أن سكان أمريكا اللاتينية بدؤوا يعبرون عن سخطهم من الهيمنة الأمريكية وسياسات اليمين عبر العودة إلى أصولهم الثقافية أيضاً. و قد أقدم موراليس فور فوزه في الانتخابات على خطوات كبرى أثارت إعجاب ناخبيه، ومست بالخصوص راتب رئيس الدولة ورواتب كبار موظفي أجهزة الحكم، وزاد وأعلن لدى زيارته لإسبانيا يوم 4 يناير 2006 في تصريحات ليومية(لاراثون) الإسبانية أنه يسير على خطا تشي غيفارا، الزعيم الأرجنتيني الذي قُتل في بوليفيا في الستينيّات من القرن الماضي، لكن مع خلاف بينهما"فهو كان يريد تحقيق أهدافه بالسلاح، أما أنا فأريد تحقيق نفس الأهداف لكن من خلال صناديق الاقتراع".

         و إن بدأت دول القارة  اللاتينية بنضو نير الهيمنة الأمريكي، فقد كان لإسرائيل –حليفتها الاستراتيجيّة-  "من الحب نصيب"، فهي، و  لئن كانت قد نجحت منذ نشوئها في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع جميع دول أمريكا الوسطى والجنوبية والمنطقة الكاريبية (باستثناء كوبا) انعكست في تعاون يشمل المجالات السياسية، الاقتصادية والثقافية ، بالإضافة إلى عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية في العديد من المجالات؛ إلّا أنّ المتغيرات و التحولات الجديدة التي تشهدها القارة اللاتينية تدفع بالأمور إلى منحى آخر أكثر تعاطفاً مع و تفهما للجانب الفلسطيني، فكوستاريكا و السلفادور ،و هما الدولتان الوحيدتان اللتان تقع سفارتاهما في القدس، قامتا مؤخراً بنقل السفارتين إلى تل أبيب، فيما هددت فنزويلا بقطع علاقاتها الديبلوماسيّة مع إسرائيل كلّياً. و مع أن الأرجنتين تعتبر الأقرب من بين دول أميركا اللاتينية إلى إسرائيل، إلا أنها رفضت هي و البرازيل توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع إسرائيل.

          و فيما تقف فنزويلا بوضوح مع القضية الفلسطينيّة، تدعوا البرازيل لاحترام القانون الدولي و الحقوق الشرعية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بينما تشدد المكسيك، و التي تعتبر مفتاحاً رئيساً للقارة،  على احترام قرارات الأمم المتحدة فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي.

          في ضوء هذه المعطيات، يذهب الكثير من المحللين السياسيين و المشتغلين بالسياسة، و خصوصاً ممن عملوا في القارّة اللاتينيّة إلى أن هذا الزخم الذي تتحرّك به دول القارة يمكن أن يكون قطعاً لصالح القضيّة الفلسطينية. و يرى حسني عبد الواحد بأنه " ما من شكّ في أننا –إذا عرفنا كيف نشتغل على المسألة- فسيمكننا أن نستثمر هذا الزخم لصالح القضيّة الفلسطينيّة؛ ذلك أن العالم اللاتيني هو الأقرب إلينا تاريخيّاً، و اجتماعيّاً، و اقتصاديّاً." و يضيف، "و لكننا للأسف، و خصوصاً السياسيين، لا نرى فيه إلا عالماً مجهولاً، لا نعطيه الاهتمام المناسب. و في ظلّ هذا "الحَوَل السياسي" نرى أمامنا الولايات المتحدة و أوروبا فحسب، و بالكاد اليابان، مجامَلَةً. أما ما تبقّى، فلا نراه..."

          و يسوق عبد الواحد على تأكيداً على مايذهب إليه ما حدث عام 2005، إذ و "بمبادرة من الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، تم عقد أوّل مؤتمر عربي-أميريكو لاتيني. و قد كان البرازيليون يطمحون إلى أن يكون هناك مستقبل لهذه العلاقة، و لكن علاقتنا بالأمر انتهت مع انتهاء القمّة، و لم تكن هناك أيّة متابعة، أو اهتمام بمتابعة و تطوير العلاقة" و رد عبد الواحد هذا غلى "الحَوَل السياسي" الذي تحدّث عنه فيما سبق.

IX-          خاتمة:

     في ضوء كلّ ما سبق، يبدو واضحاً بأن الدور الذي لعبتة منظّمة التحرير في اميركا الوسطى خصوصاً، و بلدان القارّة اللاتينيّة  عموماً قد ساهم بشكل او بآخر في التأثير في مواقف بلدان القارّة من القضيّة الفلسطينيّة، و قد حدث ذلك في ظلّ ظرف تاريخي موآت افرزته الحرب الباردة، و عززته الخصوصية الاجتماعية و السياسية لدول القارّة، و لعب الدور الكوبي و السوفييتي العامل الأهم في تمهيده ليكون عاملاً معززا و محدداً لدور المنظّمة  في القارّة، و زيادة قدرتها على إنشاء قاعدة عمل واسعة في المنطقة، و تشكيل تحالفات ساعدتها في فرض نفسها في المحافل الدوليّة، و خصوصاً الأمم المتّحدة.

          كما يبدو واضحاً أيضاً بأن علاقات المنظّمة كحركة ثوريّة بالقوى و الحركات الثورية و الحكومات في اميركا اللاتينيّة قد ساعدت السلطة الوطنية الفلسطينيّة فيما بعد على بناء علاقاتها الرسمية مع دول القارّة عندما تحوّلت إلى ما يشبه دولة.

          مع صعود حركات اليسار في أميركا اللاتينية، و التي عرفتها المنظّمة بشكل جيّد أيام كانت حركة تحرر، تبقى هناك فرصة لتوسيع التعاون الفلسطيني-الأميركى اللاتيني باتجاه ايجاد زخم لصالح القضية الفلسطينية.

          و يرى كثير من المشتغلين بالسياسة الخارجيّة الفلسطينيّة أن العائق تجاه هذا الأمر هو ارتهان القرار السياسي الفلسطيني ما بعد أوسلو بالقرار الأمريكي، و يرون بأنه  ينبغي الخروج عن هذا النير اوّلاً قبل تحقيق أي تقدّم في العلاقات مع دول القارّة اللاتينيّة، ذلك أن تحقيق هذا الهدف يتطلّب وجود قرار سياسيّ فلسطيني مستقل، و حسن تقدير للمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

          و يرى حسني عبد الواحد أن هذا "ممكن قطعاً، إذا توفّرت الإرادة، و ملكنا الشجاعة الكافية التي تمكننا من رفض الرضوخ للضغوط الأمريكيّة".

























X-             المراجع:

 أولاً: المراجع العربيّة:


1-   "إسرائيل بين دول العالم: أمريكا اللاتينيّه". موقع وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة.

2-   روبيدو، أنطونيا و آخرون. الوطن العربي و أمريكا اللاتينيّه.بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2005.

3-   عبد الوهاب الكيّالي. موسوعة السياسة.  ط4،عمّان: المؤسسة العربيّة للدراسات و النشر، 1999.

4-   الكنبوري، إدريس: "أمريكا اللاتينيّة: الهاجس الذي يؤرق إدارة بوش".الإسلام اليوم. 15 يناير 2006.

5-   مقابلة. أحمد أبو هلال، مدير إدارة أميركا اللاتينيّة في وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة.  10أغسطس، 2006.

6-   مقابلة. حسني عبد الواحد، خبير في شؤون أميركا اللاتينيّة في وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة. 3 أغسطس 2006.


ثانياً: المراجع الأجنبيّة:


1-   "Castro's First Middle East Adventure". The Economist Foreign report. 15 march, 1978.

2-    "Foreign Relations of Cuba".


3-    "Guerrilla Warfare". The Columbia Encyclopedia. 6th Ed. 2001-05.

4-   "Nicaragua 1984: Swirl in the Eye of the Storm". Strategic Issues Abstract. CSC, 1984


5-    "President Reagan's Address to the Nation of March 16, 1986".

6-   Gresh, Alan "From PLO to State: The Palestinian Dream On". Le Monde Diplomatique. Septembre, 1998.


7-   Grossman, Richard. "Nicaragua: A Tortured Nation".

8-   Israel Ministry of Foreign Affaires.


9-   Japanese Ministry of Foreign Affairs. www.mofa.go.jp/policy/other/bluebook/1988/1988-3-3.htm.

10-                Nicaragua and the Future of Central America: George P. Shultz Address Before Veterans of Foreign Wars on March 3, 1986". US Department of State Bulletin. May, 1986.


11-                Scully, Victoria. "The PLO's Growing Latin American Base" Backgrounder. (#281) August 2, 1983.

12-                Weisbrot, Mark. "Latin America: The End of an Era" International Journal of Health Services. Vol. 36 (#4) 2006.


13-                "Latin America and the Arab-Israeli Conflict". The Journal of Palestinian Studies. Vol. vii (#1) autumn, 1977.

14-                US Dept of State Special Report No. #80 "Communist Interference in El Salvador".

15-                Abrams, Elliot. "Lost Victory: Failure of US Policy towards El Salvador and Nicaragua" National Review, April 12, 1993.




ثالثاً: مواقع الإنترنت:





No comments:

Post a Comment