Pages

Thursday, 22 December 2011

عــدنــان و لــيـنـا Mirai Shonen Conan Future Boy Conan نظرة تحليليّة



عــدنــان و لــيـنـا
Mirai Shonen Conan
Future Boy Conan

نظرة تحليليّة



س. ر. شلبي
شتاء 1992


          إن عقدة كتابة أي موضوع تتلخّص عندي في المقدّمة، لما تحتويه هذه من كلام قليل الفائدة، ينبغي أن يكتب دائماً بصورة ادبيّة، و لهذا فسوف أستغني عن الأدب هنا، و أحاول أن ألخّص بالنقاط ما سأتحدث عنه.

          فيما يلي، سأتحدّث عن "أنيمي" عاش معي منذ الطفولة، و لا يزال ذا تأثير عليّ حتّى الآن، فلطالما تسائلت دائماً: لماذا يمتلك مسلسل بسيط (مقارنة بما يوجد في عالم الأنيمي اليوم)،  و قديم، تمّ رسمه بتقنية يدوية (على روعتها!) لماذا يمتلك كلّ هذه القوّة؟ لماذا يتأثر به الكثيرون كباراً و صغاراً، ثمّ لماذا لا يملّ منه من يحبّونه؟ ما هي الميّزة التي يمتلكها على مسلسلات أخرى أفضل من ناحية الرسم، و أعقد من ناحية الخطاب اللغوي، و أكثر دراميّة؟!

          من هنا بدأت بمحاولة التحليل هذه، و التي لا ادّعي بأي حال من الأحوال أنها كاملة، و لكنها محاولة لفهم بعض نقاط القوّة و التأثير في المسلسل الذي أبدع فيه ملك الانيمي الياباني  هياو ميازاكي..

و سوف يرتكز تحليلي هذا على المحاور التاليّة:

أوّلاً: الفكرة الإنسانيّة العامة:
·        المقدّمة:
·        الموسيقى:
·        الحركة (ما بين التعليق Suspense و الكوميديا):

ثانيّاً الصراع الأساسي:
ثالثاً: فكرتي الخير و الشر:
·        فلسفة ميازاكي و الين-يانغ
·        الشر و الخير كما يبدو في شخصيّات المسلسل.

رابعاًً: طرق تنظيم المجتمعات البشرية في المسلسل.
·        الحكم المركزي.
·        اليوتوبيا (الطوباويّة)

خامساُ: النصر و الهزيمة.


أوّلاً: الفكرة الإنسانيّة العامة:

          في "عدنان و لينا" (أو Mirai Shonen Conan/Future Boy Conan) فكرة إنسانيّة بارزة، تتكرر في كلّ الحلقات لتشمل الأفكار الأخرى، و لا نجد هذه الروح في القصّة الأصلية التي اقتبس منها ميازاكي رائعته هذه، و هي قصّة "المدّ الهائل" (The Incredible Tide) لألكساندر كي.  فكونان في "المدّ الهائل" هو ذلك الفتى الغربيّ الأشقر الذي ينجو بسبب قوّته البدنية، و بسبب ذلك "الوحي" المتمثّل في الدكتور روا  صاحب القدرة التخاطريّة (د. رامي) الذي يدعوه إلى التشبّث بالبقاء لأن هناك ثمّة ما قد وُجد لإنجازه. و الدكتور روا هذا هو أيضاً غربيّ (Westerner) كما يصفه كيج حرفيّاً، تماماً كما هي لانا، صديقة كونان منذ الطفولة.

          لدى ميازاكي، لا تجد هذه اللغة بالمطلق، فهناك "بشر" دمّروا الحضارة الإنسانيّة مرّه، و لا زال هناك منهم من يسعى إلى المزيد من الدمار، و لكنّهم ليسوا شرقيين أو غربيين.. ثمّ إنك لا تجد في شخصيات ميازاكي عقدة النقص التي تمجّد الشقر ذوي العيون الزرق الكبيرة، و التي يعجب بها اليابانيون. فعدنان (كونان) قد يشبه فتى من مخيم جنين أو الأمعري أكثر مما يشبه فتى من أحياء ستوكهولم أو برلين! و لو وضعناه قبالة كونان في القصّة الأصلية، لما عرفنا أن هذا مشتقّ من ذاك.



و هنا تكمن الفكرة الأساسيّة، ففكرة "السوبرمان" القائمة على القوّة البدنيّة، و التفوّق الجيني لدى كي تنطلق من الحسّ الإنساني العميق، و الإحساس بالمسؤولية و المحبّة تجاه الآخرين لدى ميازاكي. و وقود هذه القوّة هو الإرادة، بينما تضمن لها البراءة و البساطة طاقة الاستمرار.

1:1:المقدّمة:

          في المقدّمة تظهر الصورة بوضوح، فهي تعطي صورة مختصرة و معبّرة عن "تطوّر الحضارة الإنسانيّة"، و كيف قاد هذا التطوّر الغير متوازن الإنسان إلى تدمير جنسه، و استنزاف موارده، دون أن يلقي بتبعة ذلك على شعب بشريّ معيّن، و إنما على سوء استخدام التطوّر التقني من قبل البشر عموما. و على كلًّ، يُنقَل عن ميازاكي قوله بانه لن يستغرب أن يستيقظ يوما ليجد البحر قد أغرق طوكيو! فهو ليس من المؤمنين بأن البشر قد تطوّروا اخلاقيّاً بشكل يمنع وقوع الدمار.



           و مع هذا، فهو يترك فسحة للأمل، فبعد الكارثة "أخذت الأشجار و الحشائش تنمو ثانية، و أخذت الأسماك تملأ مياه البحر: لقد انتعشت الحياة، و عادت من جديد." كلمات بسيطة و شاملة، يسهل رسوخها في ذهن طفل (و بالغ أيضاً!)، و عبر حلقات المسلسل الستة و عشرين، لا يوجد ما يخدش هذه الفكرة.

2:1: الموسيقى:

          تستكمل الموسيقى و تعزّز فكرة المقدّمة. و اللحن الأساسي الذي نسمعه في المقدّمة (Tristesse) أو "الحزن" يتردد عبر كلّ الحلقات، رابطاً فيما بينها من ناحية، و ما بينها و بين المقدّمة من الناحية الأخرى.

           و لا ضرورة لشرح تأثير الموسيقى على النفس، خاصة بالنسبة للأطفال، فهي تبني لديهم عوالم كاملة،  خاصّة إذا ما ارتبطت بكلمات و صور. و موسيقى إيكيبي شينيتشيرو (Ikebe Shin'ichiro) تكاد تكون ناطقة؛ ففي بساطتها بعد إنساني عميق، سواء كانت هادئة أو حزينة، مرحة أو متوتّرة، فهي تثير تشكيلة مختلفة من المشاعر.

           و موسيقى اللحن الأساسي ، على سبيل المثال، تتدرّج صعوداً ثمّ عودة في السلّم الموسيقي بشكلً هادئ دون ضربات قويّة، ممّا يجعلها مفهومة’ مؤثرة، و مقبولة للجميع على اختلاف ثقافاتهم. و هي ،أينما وردت في الحلقات، تذكّر بالمقدّمة، ممّا يعزّز فكرة التشابه الإنساني، و المصلحة البشرية المشتركة في السلام.

          في البداية، تبدأ المقطوعة حزينة، متناغمة مع المأساة، ثمّ تتدرّج صعوداً مع المناظر المنتقاة بعناية لتعبّر عن بشاعة الحرب، و من ثمّ ترتفع مرّة أخرى من المعاناة، و تنتقل إلى حالة من الأمل. و عندما تتراجع في السلّم،  تبدأ الكلمات بوصف الحياة الجديدة، و تظهر الحياة و الخضرة من رحم الموت، و تحلّق الطيور بدلاً من ال"جيغانتو" العملاقة، و بقايا المدنيّة المدمّرة في سماءٍ عاد إليها الصفاء.



          و هناك ثنائيّة جديرة بالانتباه في المقدّمة تجمع ما بين الأمل و اليأس، رافعة من قيمة الأول، و خافضة من قيمة الثاني، ففي كلا شقّي التناقض يعيش المشاهد الوضع القائم بكلّ عناصره؛ فبعد أن يعيش الألم، و الحزن، و الوحدة، و الدمار في عالم الحرب، ينتقل عبر الصوت و اللون و الموسيقى إلى عالم تُثبِت أهميِّتهُ و تعزز جماله بشاعة العالم الأوّل: إنه عالم كاد أن يصبح مفقوداً، و يجب المحافظة عليه؛ إنّه ثمين، و موارده محدودة، و لا يجوز تدميره بأي شكل من الأشكال...! و لنلاحظ تسمية "الجزيرة المفقودة" و "أرض الأمل"، أو حتّى الجزيرة المتبقّية Remnant Island و المرسى العالي High Harbour فهي تسميات تعزّز الشعور بهذه الثنائية.... و عبر المسلسل، تتآلف الموسيقى مع الحركة و الحوار لإبراز هذه المسألة الأساسيّة.

3:1: الحركة و التعليق و الكوميديا:

          يجمع المسلسل بين التعليق و الكوميديا بشكلً بارع ، فعدنان يتخلّص من موقف يقطع الأنفاس مع سمك القرش في قعر المحيط، و في غمرة الموقف، و عند لحظة التعليق، يقوم بحركة مضحكة تحطّم صورة القرش كمخلوق لا يقهر.



          و مرّة أخرى، عندما يهاجمه جنود القلعة المدجّجون بالسلاح، يقوم –أو يقومون!- بفعلٍ مضحك يكسر حاجز الخوف. و حتّى الشخصيّات الشرّيرة تقوم بأفعالٍ سخيفة، بحيث لا تخيف الأطفال إن ظهرت في أحلامهم!


و المشاهد التي ينطبق عليها هذا الأمر موجودة في كلّ لحظات التعليق في المسلسل، و الكوميديا فيها متقنة بشكل مثير للدهشة، إذ بإمكانها انتزاع الضحكات من المشاهدين صغاراً كانوا أم كباراً، ممّا يجعلها من أبرز نقاط قوّة المسلسل.





          و هناك رسالة مهمة تقع ضمن هذا السياق من الخوف و الكوميديا و التعليق و هي أن القوّة الداخليّة هي التي تحكم قدرة الإنسان على التحمّل و المواجهة، و هي غير محدودة بالحجم و لا بالجنس، و لا بعناصر القوّة الجسديّة أو الماديّة الظاهرة؛ فمسدّس علّام (Lepka) و تهديداته لا يثنيان لينا عن تحدية، و لا يجبرانها على الاعتراف بمكان جدّها. و هذه الفتاة الضئيلة المرهفة الشعور لا تستسلم للبطش، كما لا تستسلم للإغراءات، و عندما تكون مصلحة المجموع في الميزان فهي مستعدّة للتضحية بذاتها. و على كلّ فهذه الشخصيّة الواثقة و قويّة الإرادة تتكرّر كثيراً في بطلات ميازاكي كنوشيكا و غيرها.

ثانيّاً الصراع الأساسي:
         
          يفترض  ميازاكي في "عدنان و لينا" أن سوء استخدام التكنولوجيا قد أدّى إلى دمار البشريّة، ذلك أن البشر ظلّوا يتطوّرون تقنيّاً، دون ان يكون هناك تطوّر موازٍ من الناحية الروحيّة و الأخلاقيّة. و لأن تطور البشر الأخلاقي ظلّ محدوداً، فقد تحوّلت التقنية في ايديهم إلى وبال سيظل يطارد البشريّة ما لم تصل إلى تسوية مع إنسانيتها و قيمها. و تكمن العقدة الاساسيّة في المسلسل في التناقض بين التكنولوجيا، بكلّ ما تملكه من وسائل الهيمنة و السيطرة و التحكّم، و بين البساطة، بكل ما تملكه من الإيمان و الأمل. و هذه البساطة هي عودة بالإنسانيّة إلى البدايات، حيث كان الإنسان يحكم الآلة لا العكس، إذ كانت المادة (الادوات، و الصناعة و التقنية) في مسار متوازٍ مع الإنسان (بما لم يكن يزل يملكه من قيم، و براءة و فضول) في بدايات السباق المحموم بين المادّة و الروح .



          و قد تبدو البساطة ساذجة، و لكنّها مسيّرة بغريزة صادقة قلّما تخطئ التقدير، و سرعان  ما تتطوّر، مستمدّة القوّة من إحساسها بالمسؤوليّة تجاه الحفاظ على ما تبقّى (حماية الحياة) لتقف في وجه التكنولوجيا المعقّدة، الباردة التي تحاول تكبيلها، فهي هنا  تمثّل العودة إلى البراءة.

          إذن، هناك  صراع بين القوّة الماديّة التي تسيّرها الأنانيّة، و التي تعوّل على التقدّم الصناعي، و القوّة الروحيّة التي يسيّرها الشعور الإنساني، و تعوّل على الصداقة مع الطبيعة. و يبدأ الصراع بتناقض مصلحتيهما: مصلحة السيطرة ممثّلة بالنزعة العسكرية في مجتمع يمتلك التكنولوجيا، و يبحث عن الطاقة لتشغيل ادواتها، و مصلحة الحياة بعيداً عن "العسكرتاريا" و "السلطويّة" ضمن مجتمع متعاون، يدير نفسه بنفسه.

           و لنتوقف هنا  قليلاً عند التسميات : "القلعة" و هي تسمية غير موفقة ل Industria و التي تعني حرفيّاً "الصناعة" أو "المتعلّق بالصناعة" (و هنا تم تحويل الصفة إلى إسم بغرض التجسيد) و "أرض الأمل" و هي تسمية أكثر توفيقاً ل  High Harbour و التي تعني حرفيّاً "المرسى العالي". و لنبدأ ب "الصناعة":


            لماذا استُخدم  هذا الاسم يا ترى؟ أليست فيه إشارة إلى أن عصر الصناعة Industrial Age هو العلامة الزمنية التي بدأ عندها التطوّر التقني بتجاوز التقدّم الأخلاقي. أولم يكن عصر الصناعة هو العصر الذي بدأ الناس فيه يتخلّون عن الإيمان بكل ما لا تدركه حواسهم ليؤمنوا بالمحسوس و الملموس؟ أولم يكن هو العصر الذي أفلست فيه الفلسفة و شاع فيه الخواء الروحي....؟ ميازاكي هنا لا يفعل سوى أن يأخذنا بخياله إلى حيث يمكن أن يقود هذا التطوّر، بحيث تتجاوز "الصناعة" و ما هو "صناعي" كونها مفهوماً لتتجسّد بشكل ماديّ في هذا البنيان- الحيّ المخيف الذي  تمّت ترجمته خطأً إلى "القلعة"...! (لاحظ كيف تدبّ الحياة في الحديد و تتغيّر ألوانه عندما يتمّ إمداده بالطاقة عبر "عروق" إلكترونيّة)




         
           صحيح انها تبدو كقلعة، و لكنّها تعني أكثر من ذلك، فهي مجاز ابتكره خيال ميازاكي المبدع ليقول بأن ما تعتبرونه أيها البشر اداة للتقدّم سيجعلكم ادوات في آلة ضخمة تسحب منكم الإحساس بنبض الحياة و أصوات الطبيعة و تستبدلها بأوهام إمعاناً في استلابكم! (لاحظ غرفة الهولوغرام في أحد أبراج القلعة حيث يتمّ بناء مشاهد مزيّفة من الطبيعة، و لاحظوا ردّ فعل لينا).



          و ميازاكي واضح جداً في إدانة الآثار السلبيّة لتكنولوجيا التصنيع التي تفخر الدول "الصناعيّة" بها اليوم، و هو يستخدم الرمز ليلقي بتبعة المسؤوليّة عن دمار العالم على هذه الدول الصناعية. و هذا يظهر بوضوح (عدا عمّا يظهر في تسمية Industria    "الصناعة" ) عبر نقطة مهمّة قامت بإغفالها الدبلجة العربية، و هي حقيقة كون مصدر الطاقة لحياة Industria  هي البلاستيك، و هي المادّة التي يقوم نامق و طاقم الباراكودا بجمعها من ركام المدنيّة السابقة في الجزر المختلفة. و من ذا الذي لا يعلم بأن البلاستيك هو أحد ألد أعداء البيئة، فهو لا يتحلل في الطبيعة لأنه مادّة صناعيّة صرفة، و بهذا فأن تصنيعة، أو إتلافه، أو حرقه، أو أية عمليات تجري عليه تؤدي إلى التلوّث البيئي، و تساعد على تدمير طبقة الأوزون.





         



      

          أما High Harbour أو "المرسى العالي" فهي تحمل في طيّاتها الإيجابيّة، فأي مرفأ مرتبط بالماء، و الماء هو أصل الحياة. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن كلمة Harbor الإنجليزيّة (و قد استخدمها ميازاكي كما هي) فإنها تدلّ على الاستقرار و الأمل، فيقال مثلاً : He harbors a lot of hopesبمعنى إنه يضمر –أو يتعلّق ب- آمال كثيرة. و بهذا فإن أرض الأمل هي المرسى الذي تستقرّ على شواطئه هذه الجماعات البشرية التي ترغب بإعادة الآلة الصناعيّة إلى وظيفتها الأصلية كأداة، لا كسلاح.


          و على كلًّ، قد تجدر الإشارة إلى أنّ الصراع  لا يخلو من تداخل بين طرفيه الذين يجمعهما حضور ذكرى المأساة في الأذهان، بالرغم من تباين أهدافهما.

          تبدأ قصة المسلسل بسيطة، فهي تعرض ما كان من حال الارض، و ما آلت إليه بعد الكارثة؛ و تظهر في البداية الجزيرة التي يعيش غلى أرضها عدنان وحيداً مع جدّه، و التي لم تسمى عبثاً ب "الجزيرة المفقودة" (أو "المتبقّية" Remnant Island)، فبالرغم من كونها عادت للحياة، إلا أنها مفعمة بالوحدة لأنها خالية من البشر،  و كأن هذا ثمن تدفعه الأجيال التالية ضريبة للحرب...


       
            لم يسبق لعدنان أن رأر بشراً غير جدّه من قبل، و لذا فهو يصاب بالذهول، و حتّى بالخوف -و هو الذي لا يخشى سمك القرش!- عندما يشاهد لينا ملقاة على الشاطئ؛  لينا التي ستفتح مداركه ليرى كم كان باهظاً ثمن الحرب، و ليبدأ وعيه يتشكل تجاه العالم الأوسع، حيث تتراءى " الصناعة/القلعة" و "أرض الأمل" كأطياف تدفعة للكفاح من أجل حمايه هذا "الأمل".


          .يفقد عدنان، الطفل الساذج البسيط، طابعه الفرديّ المعتمد على قوّته البدنيّة، و الذي لا ينظر إلى ما وراء ما يحيط به من مظاهر حياته،  ليصبح إنساناً ذا مبدأ يحارب من أجل شئ عزيز.  و  يبدأ الأمر عندما يخطف جنود القلعة لينا بقوّة السلاح، تاركين عدنان أمام نافذة فتحَتها له على العالم الجديد و رَحَلت.. و عندما يموت جدّ عدنان، متأثراٍ بجراح أصيب بها في الاشتباك مع جنود القلعة، و في ذروة الغضب الهستيري الذي يصيب الفتى و قد فقد كلّ ما لديه، تستيقظ الحياة بكلّ قوّتها و اندفاعها في نفسه، و يدرك قيمتها، و يفهم واجبه في الدفاع عنها، و بهذه الروح ينطلق عبر المستحيل ليصل إلى هدفه.



          و لكنّ هذه الأهميّة التي يلقيها ميازاكي على هذا التصوّر الطوباوي للحياة لا تغفل مخاطرها و تكاليفها بأي حال من الأحوال، فعدنان سيفقد الكثير من حريّته البريّة مقابل هذه الرحلة، و سيفقد منها أكثر فيما بعد عندما يحاول الانخراط في حياة اجتماعيّة، و قد يبدو الامر أوضح في حالة عبسي Gimsie الذي يجد –منذ البداية- صعوبة جمّة في الارتحال عن غابته الأثيرة ليلتحق بعدنان.



          و تماماً كما لا توجد طوباوية مطلقة، كذلك لا تظهر السلبيّة  بلون واحد، فالشخصيات ملأى بالتناقضات و الألوان، و لا تتحدّد الأشياء فيها ضمن ثنائيّة الأبيض و الأسود. و قد رأى عدنان ذلك في أوّل صدام له مع جنود القلعة الذين اقتحموا جزيرته بحثاً عن لينا فهم ليسوا شخصيّات نمطيّة، و لديهم طرق مختلفة يبررون بها أعمالهم:

 "لم تتغيّروا.." يخاطب جدّ عدنان سميرة (Monsley) "تخيفون الناس بالسلاح، ألم تعلّمكم الكارثة شيئاً؟"
"يا للعجوز الخرف!" يقاطعة الجندي عزّو (Guzu). إنه جنديّ تربى على أساس أن أبناء شعبه هم الطرف المظلوم، و هو اقتناع يتعزّز لديه بمواقف قادته. تقول سميرة: "بأي حق تلقي علينا الموعظة؟ نحن لم نبدأ الحرب؛ أنتم بدأتموها...هل فكّرت بمرارة الحياة التي عشناها؟" ثم إنها تعود لتتّهمة –عن قناعة- بأنه و "أمثاله" متوحشون لا يدركون معنى المسؤوليّة...

          إذن، هناك موقفان يجمعهما أمر واحد هو أن كليهما عانى مأساة الحرب. الأول يريد التخلّص من مسببات الحرب (العسكرتاريا و نزعة السيطرة و الاستغلال، و الطبقيّة، و تكنولوجيا الدمار) و هو ملتزم بهذا الأمر متمسّك به. و هذا الاتجاه نشأ أصلاً عن أناس شاركوا في الحرب كالدكتور رامي (Lao) الذي يقود الأطفال الثلاثة (لينا، و عدنان، وعبسي) إلى البرج المثلّث بعد استعادة الطاقة ليريهم الحياة المزيّفة التي صنعها العلماء، و يريهم كم هي فارغة و مخيفة، ثم يأخذ منهم عهداً بأن يكونوا أبناء الشمس و الطبيعة، و هي حيث ينبغي للإنسان أن يعيش.

          أما الموقف الثاني فإن من يمثّلونه يلقون بتبعة أقدارهم على الآخرين، و يعتقدون بأن هناك في عالم البشر تراتبيّة تجعل البعض أفضل من كلّ الآخرين، و أكثر استحقاقاً. و منهم من يعتقد بأن الآخرين لا يستحقّون الحياة إذا ما عانوا هم، فقيمة حياة الآخرين لديهم متدنّية. انظر مثلاً إلى علّام (Lepka) الذي لن يتورّع عن حرمان أقرب الناس إليه (هذا إذا كان لديه مقرّبون أصلاً) من الحياة إذا ما وقفوا في طريقه.


(ليبكا في تصريحه الشهير الذي يذكّر بجملة جورج بوش: "من ليس معنا فهو علينا")

          و آخرون كسميرة يبررون سلوكهم العنيف بإلقاء تهمة التسبب بالكارثة على ضحاياهم إذ يعتقدون بأن هؤلاء ينازعونهم على ما تبقّى من موارد.

          و على عكس الاتجاه الأول حيث يحاول جيل الحرب أن يربي الجيل القادم على التعاون و المساواة و العمل مع التمسك بالعودة إلى الطبيعة و البساطة، يتمسك قادة الجيل الجديد في الطرف الثاني بفكرة أن ما سبّب الكارثة هو "آخرون" من الجيل السابق لم يستخدموا التكنولوجيا بشكل جيد، و لذا فإنهم يحصرون هؤلاء ضمن مجلس هزيل لا يملك شيئاً من الصلاحيّات الحقيقيّة، و يسعون بدورهم إلى السيطرة عن طريق بناء مجتمع طبقيّ استبداديّ تغلب عليه النزعة العسكريّة، و يوظّف خوف الأفراد لفرض تربية تجعل من "النخبة" في أوساط الجيل الجديد جنوداً متعصّبين يحاربون في سبيل الحصول على ما يعتقدون بأنه يحميهم، و يكفل عدم تكرار المأساة. و                   

          بما أن هؤلاء لا يمتلكون إلا حريّة صورية يتخيّلون وجودها  من منطق كونهم نخبة صغيرة وسط أغلبية ساحقة من البشر الذين يعملون ك"قطع غيار" في الماكينة الصناعية الكبيرة التي تفتقد إلى الحياة، فإنهم لا يرون الأشياء، و لا يدركونها بطريقة سليمة. و هم يغلقون آذانهم آمام آراء من الخارج قد تهدد بإفقادهم امتيازاتهم التي يمنحهم إياها موقع النخبة في الماكينة الخاوية المرعبة التي تقوم على الوهم، و التي تفتقد –في النهاية- إلى طاقة الحياة. إنظر إلى عزّو (Guzu) كيف يردّ على ما يقوله جدّ عدنان: "يا للعجوز الخرف!" إنه لا يريد سماع تبريرات، لأنه يخشى على  النظام الذي يمنحه موقع المواطنة النخبوية هو الوحيد المحق
.


          و في كلا الطرفين تقع عناصر "خارجة عن الصف"، فلوحة ميازاكي ليست بالأبيض و الأسود كما أسلفت، لأنها لوحة تتغنّى بالطبيعة، و هل تملك الطبيعة أن تبدع لنا قوس قزح بلونين فحسب؟!

          هذه العناصر تتمثّل في أفراد و جماعات تمرّدت على المفاهيم الجديدة، بعضها عاش في مجموعات بريّة متحللة من كل القيود كنمرو (Orlo) و جماعته، الذين لهم رؤيتهم الخاصة فيما يتعلّق بأرض الأمل، و البعض الآخر سعى –ضمن الماكينة، التي لم يؤمن بأنها تحقق له ذاته- إلى تحقيق مصالحه الفرديّة الخاصة التي تسددها له إدارة الماكينة على حساب خدماته للنظام. و يمثّل هذا الاتجاه نامق (Dyce) و طاقمه.



          و ماذا يريد الطرفان في النهاية؟
          في الإجابة على هذا السؤال تقع إحدى أجمل الرمزيات في المسلسل، فأهل "الصناعة" يريدون الطاقة-القوّة،  و أهل المرسى يريدون الأمل و الحياة.

           و من أين يأتي المصدر للإثنين؟
           هنا يردّ ميازاكي السباق المحموم بين التقنية و الروح إلى بداياته: إلى الطبيعة؛ فالبشر في أرض -مرسى- الأمل يعيشون في الطبيعة تحت الشمس، هذه التي يعطي نورها للأرض الحياة.  و أهل الصناعة-القلعة- ستفنى ماكنتهم الضخمة دون هذه الشمس ذاتها، و التي تمّ تحويل طاقتها في الماضي إلى طاقة للدمار. إذن فالصراع في النهاية هو صراع مجازي على "مكانٍ تحت الشمس"! و بهذا يصل ميازاكي إلى أن أصل الصراع هو ذاته أصل الحل؛ فالإنسان قد يستغلّ الطبيعة، و يستظلّ بها، و لكنه لن يحكمها، و إن حاول، لأن  قواها إذ ذاك ستكتسح وجوده.

          و لهذا ، فإن الأفراد عبر المسلسل ينتقلون واحداً بعد الآخر من الطرف الثاني إلى الطرف الأوّل الذي لا يعاني من وجود شخصيّات مستبدّة و معقّدة تطمح إلى السلطة، بينما لا يحدث أن ينتقل أفراد من الطرف الاوّل إلى الطرف الثاني فيما خلا بعض الحواشي كنمرو(Orlo) الذي يتعامل مع سميرة (Monsley) لا لأسباب أيديولوجيّة، إنما لمصلحة، و في النهاية يكتشف بأنه لن يحقّق أية مصلحة مع طرف هو أكثر منه مكراً و خداعاً.



          إن ميازاكي يتحدث عبر ثنائية هذه الملحمة الإنسانيّة –إن جاز التعبير- عن عنف البشريّة، و ولعها بالدمار؛ فهي –بالرغم مما تعرّضت له من إبادة و فناء عبر حرب لم تختف بصماتها عن الكوكب بعد- لا تزال تحتضن المحاربين الجدد الذين لا يهمّهم مصير الآخرين بقدر ما تهمهم السلطة و الأمجاد الشخصيّة. و باتجاه مواز تماماً، يتحدّث عن تلك الحياة التي تشقّ التراب لتخرج من تحت ركام الحرب، و تعيد الحياة إلى أصولها من جديد.  سوف تواصل قوى الروح و المادة عملها إذن إلى أن يتمّ التوصّل إلى المعادلة السليمة ما بين الروح و المادّة ضمن الطبيعة.



ثالثاً: فكرتا الخير و الشر:

·        1:3: فلسفة ميازاكي و الين-يانغ:

          يمثّل ميازاكي الشرّ في "عدنان و لينا" بالظلام؛ بالسلطة المطلقة، و بالتطوّر التكنولوجي الذي لا يسير في مسار متواز مع تطوّر الأخلاق و الروح.، و الذي ينتهي أداة في يد السلطة المطلقة.

          و في المسلسل نرى "بحر الظلمات" الذي لا يخرج منه بحّار سالماً، و نرى القلعة بين أطلال مدينة رماديّة، يُحتجَز فيها البشر تحت الأرض، بعيدين عن النور، و محرومين من الحريّة؛ كما نرى "أرض نمرو" (Orlo) أغلب الوقت في الظلام، و يزخر المسلسل بالرموز التي تربط الشرّ بالظلام، تماما كما يزخر بتلك  التي








تربط الخير بالنور، و بالشمس على وجه التحديد. و قد لا يخفى على الكثيرين الدور الذي تحتلّه الشمس في الأسطورة و التراث في بلاد ظلّت تدعى لفترة طويلة ب "إمبراطوريّة الشمس" .

          و تستحضر ثنائيات الخير-الشر، و النور-الظلام، و ذلك التداخل الذي ينسجه ميازاكي بجماليّة عالية فيما بينهما، يستحضر إلى الأذهان فلسفة الين-يانغ الصينية، و التي تنتشر في الشرق الأقصى بشكل عام؛ فشخصيات ميازاكي ليست ملائكة و لا شياطين، و هي أبعد ما تكون عن النمطية التي قد نجدها لدى ديزني مثلاً؛ إذ أنها تنضج و تتطوّر في اتجاهات عدّة، و تمر بتحوّلات دراميّة على درجة عالية من الإقناع.

          أما المسألة الأخرى التي تدخل في "تحوّلات" الخير و الشرّ –إن جاز التعبير- فهي مسألة السلطة؛ فالسلطة المطلقة لدى ميازاكي أيضا هي "مفسدة مطلقة"، و هي تقود إلى الشرّ لأن الإنسان إذا ما تمكّن من السيطرة على مصائر الناس فإنه لن يستطيع مقاومة الرغبة الكامنة بداخله في التصرّف كإله، و عبر التاريخ الذي استمدّت فيه السلطات شرعيتها طويلاً بتفويض سماوي فإن الرغبة بالانفراد بمصائر الخلق –حتى مع نشوءالسلطات الأرضيّة- لم تكفّ عن أن تكون حلماً يداعب مخيّلة الكثيرين، و طموحاً يسعى أكثر من هؤلاء إلى تحقيقه.

          و لم يصبح الأمر أفضل مع قدوم عصر الآلة و التكنولوجيا ، إذ أصبحت الآلة أداة لتحقيق هذه الرغبة و هذا الطموح، إلى أن تحوّلت هذه إلى "المفوّض" الجديد للسلطة، و ربّما إلى التجسّد الحيّ لها..!






          و سواء برّرت السلطات سيطرتها بحقّها الإلهي، أو رأت نفسها –بسبب قوّة الآلة و التقنية- آلهة، فهي –على كلتا الحالتين-  تقوم  على أسس أصبحت قناعات في الموروث الحضاري، و اللاوعي الجمعي، و هذه تجعل من الألوهيّة و القوّة المطلقة سيان. و البشرية -التي منحتها العلوم القوّة- تضاعف اغترارها بقوّتها بحيث لن تعدَم وجود هؤلاء الذين يملكون الرغبة الجارفة في التصرّف كآلهة، مع ما يرافق ذلك من الشعور بالمتعة لدى العفو عن البشر، أو الشعور بالعظمة عند خوفهم، أو القدرة على تدميرهم عندما يخطئون و يتحدّون،  و إثابتهم عندما ينصاعون. و قد يصل هؤلاء إلى اعتبار آلاتهم، و نتاج علومهم خلقاً جديداً، و انظر كيف يعبّر ميازاكي عن ذلك عبر خطاب الدكتور رامي (Lao) لعدنان و لينا و عبسي في غرفة الهولوجرام في البرج المثلّث.

          ربّما لهذه الأسباب تجنّب ميازاكي تصوير عدنان (كونان) بصورة "المسيح المنتظر" الذي رسمه به كي، و الذي ينتظره أهل المرسى/أرض الأمل لينقذهم من الدجّال، فليس في فلسفة الين-يانغ "الميازاكيّة"مطلق في النور أو الظلام لأن في المطلق فساد، و إخلال بتوازن الكون!




          و ماذا عن الجانب الآخر؟ هل يقع تحت سيطرة المتشبهين بالآلهة؟
         للإجابة على أحد جوانب السؤال يعود ميازاكي إلى فلسفته السياسية الماركسيّة، و التي تجد الحلّ في الثورة التي يقوم بها أخيراً من يرزحون تحت نير النظام الاستبدادي الطبقي على من يستغلّونهم، و هي مسألة تتبدّى بوضوح في مشاهد جموع العمّال و هم يسيطرون أخيراً على "الصناعة" (القلعة/Industria) (بمعنى سيطرة الطبقة العاملة على وسائل الإنتاج). و نرى الأمر ذاته في أرض الأمل، حيث تظهر اشتراكيّة عناصر الإنتاج، و يتحقق مبدأ "من كلًّ وفقاً لطاقته، و لكلّ حسب حاجته" و لكنّ ميازاكي لا يكتفي بذلك، لأنه –و إن آمن بالماركسيّة-  فهو لا يؤمن بأن "الحياة مادّه"، و لذا فإن الجانب الآخر الذي يقف في مواجهة قوى الظلام يهاجم هذا الأخير بسلاح آخر:



          و في "عدنان و لينا" يُشاهد الشرّ مذهولا...لماذا؟  لأنه يتلقّى طوفاناً من المبادرات الإيجابيّة التي تهاجمه بشدّة، و تشكّكه في ماهيّته، و بالتالي تخترقه قائدة إيّاه نحو توازن طبيعته الإنسانيّة،  و مجرّدة إيّاه من قناع هو أكبر منه بكثير. فهو إما أن يتنازل عن السيطرة و يعود إلى إنسانيّته المستلبة، أو أن يستمرّ في إحراق طاقته في سبيل الحفاظ على وهم القوّة الذي تنقضه في ثوان معدودات قوّة الطبيعة؛ القوّة التي تذكّره بحقيقة كونه غير مُخلّد، و بأنه بحاجة إلى الحماية، و لا يمتلك المعرفة المطلقة...



          إذن، فالشرّ هنا في الظلام..اللاشيء، حيث القوّة غلاف خارجيّ، و من الداخل فراغ مخيف. و لننظر القلعة، أو البرج المثلّث على سبيل المثال؛ فهو من الخارج قلعة مخيفة تطاول السحاب،  مزوّدة بمختلف الأسلحة، و تحرسها أبراج عالية من الحديد، و لكنّها تفتقد إلى الطاقة –الروح!- و تحتاج إلى موارد للحياة؛ ما يختفي منها تحت الأرض أكبر بكثير ممّا يشاهد فوقها، و الصحراء تحيط بها من جوانب ثلاث، فيما يهدّدها البحر بالغرق، و تتربّص بها الزلازل؛ تقتصد في أساسيّات الحياة لتحافظ على السيطرة؛ و تضطر لصناعة صور الحياة، إذ لا حياة في جوارها، و القبور من فوقها و من تحتها تذكّر بالكارثة..أما من يحكمون هناك فهم بشر قادرون على استخدام التكنولوجيا، و لكنّهم لم يعودوا قادرين على صناعتها...



              أما الخير فهو النور، الطبيعة و البراءة؛ فهو برئ و ساذج كما هي الطبيعة، و لكنّه ليس مغفّلاً، أو غبيّاً أو عديم الحيلة. إنه يغضب، و لكنّه لا يحقد. و هو ضعيفٌ شكلاً، و لكنّه قويٌّ جوهراً، وهو  يمتلك قناعات لا تتزعزع، مهما تعرّضت للهجوم. و هذا المنظور فلسفي دون شكّ، إذ يردّ الثبات و الحقيقة إلى عالم المُثل الأفلاطونيّ. و لننظر إلى  أرض الأمل، فهي تبدو هشّة في الظاهر، لا تملك السلاح، و لكن أهلها ليسوا جبناء، إذ يدافعون عن أنفسهم عندما تدفعهم الأحوال لذلك. و هذه الجزيرة قد لا تملك القوّة الماديّة، لكنّها تملك الثبات و الإصرار و التوازن مع الطبيعة  التي تعطف عليها في المقابل؛ فهي تعيش تحت ضوء الشمس التي تغذي حقولها، فيما يقف البحر لدى قدميها. و ليس في الناس هناك طامح في سلطة أو ملك، أو لاهٍ من بين من يعملون.

          و تجدر الإشارة إلى فكرة تربويّة مهمّة في سياق هذا الحديث، و هي أن الشرّ لدى ميازاكي لا يرتبط بالقبح، فهو قد يكون جميلاً و ذكيّاً. كما قد لا يكون الخير أيضاً جميلاً من الخارج، إذ أن جماله داخليّ، الأمر الذي يكسر الصورة النمطيّة للجمال.




          الأمر الآخر هو الصورة النمطيّة للقوّة و التي يكسرها ميازاكي في رسمه لشخصيّة لينا مثلاً، فهي في غاية القوّة،و إن بدا غير ذلك، لأنها تتغلّب على طبيعتها الهشّة، و تقف في مواجهة خوفها دون أن تتنازل لحظة. ثم إنّ  ألمها لا يدفعها باتجاه الإذى و الحقد، و لا الرغبة في الانتقام.

·        2:3: الشر و الخير كما يبدو في شخصيّات المسلسل.

-          1:2:3: الشر.

          قد يبدو "التصنيف" فيما سيلي أمراً غير مألوف، إذا لا يمكن رسم الفواصل في قضايا فلسفيّة؛ و لكنني أضعة لتيسير الوصف و التحليل ليس إلا، و هو ليس تصنيفاً مطلقاً، و لكنّه قد يساعد في رسم الملامح الأخلاقيّة الشخصيات وصولاٍ إلى النقطة التي يعنى بها هذا الفصل، و هو لانمطيّة شخصيات ميازاكي فيما يتعلّق بالخير و الشرّ و قدرتها على التحوّل و النضج. و للقارئ أن يلاحظ كيف أن قطبي التصنيف فقط هما الثابتان، بينما تتداخل عناصر التصنيف الأخرى أو تتحوّل.  و لنا أن نبدأ بالشر، كونه الأكثر تعقيداً و تحوّلاً:

يمكن تصنيف الشرّ كما يظهر في شخصيات المسلسل بالشكل التالي:

·    الشرّ المدرِك المؤثِر (فلسفة الشرّ):

           مثل هذا الصنف يَُنظِّر للشر و يجسّده. و هو على الغالب شخص ذكيّ ، متعلّم، و يفهم الحياة. يمتلك القوّة و الطموح الغير عاديّ الذي يجعله لا يتورّع عن إتيان أقبح الأمور من أجل الوصول إلى السيطرة... يدرك بأنه شرّير و لكنّه لا يشغل نفسه بتبرير دوافع أعماله أو بتلبّس قناع الطيبة. و هذا الصنف ميكيافيلي السياسة، و لا يهمّه لو بدا ساديّاً في سبيل الوصول إلى مقاصده، حتّى يبدو الشر كما لو كان طبعه الفطريّ. و هو أنانيّ و جبان، لأنه يدرك أنّه ليس مخلّداً، و أن قوّته ماديّة و لن يحقق أهدافه الذاتيّة فيما لو أصابه أمر أو حاق به ضرر، و لذا فهو يضحّي بحياة الآخرين من أجل مقاصده كما لو كان يمسك بالأقدار. هذا التصنيف ينطبق على علّام (Lepka).




·    الشرّ الغير مدرِك المؤثِر:

          قد تتعدّد الأسباب التي جعلت من هذا الصنف شرّيراً، فقد تكون أسباباً اجتماعية، تربوية، بيئيّة، أو نفسيّة، أو كلّ هذه الأسباب دفعة واحدة!  و هذه الشخصية قد تقع في أحد نمطين: الأول يستغلّ عقدة الشعور بالاضطهاد و الحرمان لتبرير سلوكه العدواني أمام الذات؛ فهو لا يملك استعداداً فطريّاً للشرّ، و لكنّ ظروفه دفعته لذلك. و لذا تبدو شخصيات هذا النمط أنانيّة، محرومة، و متشبّثة بمصالحها، و قد تكون ساديّة. و ينطبق هذا النمط على نمرو (Orlo) و شقيقته أميرة (Tera) و جماعتهما، و كذلك عامر. و من الجدير بالذكر أن هذا النمط قد يصبح من الأخيار إذا لم يعد قادراً على أن يبرّر أفعاله القبيحة أمام ضميرة، أو غُلِب على أمره.




           أما النمط الآخر فهو لا يعاني من الحرمان عادة، سواء كان عاطفيّاُ أم ماديّاً، و لكنّه لم يعرف ضمن دائرة وجوده سوى أشرار مؤثرين. و تساهم عوامل نفسيّة في تكريس الشر لدى أفراد هذا النمط (مثل حادث في الطفولة كوّن في النفس خوفاً، أو حقداً تجاه الحياة و الناس، أو شعوراً بالظلم، و عدم الثقة بالآخرين). و مثل هذا النمط يدافع عن مواقفه بالهجوم، و يتّخذ قرارات حاسمة... و هو مخلص لاعتقاداته، و لا يتّصف بالجبن؛ عنيد و يحترم منطق القوّة، و لكن الشرّ لديه ليس اعتقاداً راسخاً، و هو لا يدرك بأنه شرّير، و لذا قد يكون بالإمكان تغيير قناعاته.

           و قد يكون هذا النمط أنانيّاً، و ساخراً، و بارعاً في التبرير؛ يسخر من الخوف، و لا يؤمن إلّا بالمنطق، و الحقائق المجرّدة. و ينطبق هذا النمط على سميرة (Monsley) التي أصبحت –في النهاية- مع الطرف الآخر، و بقيت ثابتة على هذا الموقف- كونها اتّخذت القرار-  بالرغم من خطورته. لقد قيّمت عدنان (Conan) في البداية على أساس شجاعته و عناده و قوّته. و بالرغم من كونه من الطرف العدو، إلا أنها أظهرت إعجابها بهذه الصفات؛ أي أنها كانت تملك القدرة على التفاعل مع الحقائق بطريقة مجرّدة و منطقيّة.









·    الشرّ المصنوع المتأثر:

          هو شخص خائف، مقود بعقدة الخوف التي تعمي بصيرته،  يرى في الدكتاتور معبوده فيطيعه و يخاف منه، يكرهه و يحبّه في آن معاً.  و مثل هذا النوع يعتقد أن عين رئيسه تراقبه أينما توجّه، و لذا فهو يبقى مطيعاً، لا يجرؤ على إبداء أي نقد، أو التفكير بمدى أخلاقيّة سلوكه.  و لا يصلح أمره إلا باختفاء أو هزيمة سيّده، الذي تزداد قوّته إذا ازداد ذاك قوّة، و تنقص إذا ما نقصت. و ينطبق هذا التصنيف على قوّات علّام الخاصة، و مخابراته الملثّمين منهم و المكشوفين. كما ينطبق على  عزّو (Guzu) و دوك (Duke) و غيرهما من رجال سميرة (Monsley)؛ فعزّو الذي يخامره شعور استسلامي وقت اجتياح الجزيرة يسأل سيّدته عن مصيرهم، إذ لا يملكون الذخيرة، و لا قارب الرماية. و عندما تضع أمامه حقائق موازين القوى الباردة، بما قد تؤدي إليه من قتل للأبرياء  فإنه يستعيد ثقته بنفسه، و حتّى يقول بأنه "يشعر أفضل"!



·    الشرّ المدرك المتحوّل:

          هذا النوع منافق، و كذّاب بارع، و لا يملك أيّة مبادئ. يعرف طباع الناس و يميّز الخطأ من الصواب، و لكنّه لا يقيّم الأمور بهذا التمييز. و هو ذكيّ و ماكر يؤمن بأن المصلحة تحدّد السلوك، و الغاية تبرّر الوسيلة. و هو غالباً شخص حرّ في دخيلة نفسه، و قد يكون ذا ملكيّة تجعله يتصرف باحتيال و مكر لاستمرار احتفاظه بهذه الملكيّة. و هو قد يخدم الأخيار إذا حقّقوا مصلحته، كما قد يخدم الأشرار لذات السبب، و لكنّه غير قادر على إتيان جرائم منكرة، و لذا فهو قابل للتحوّل نحو الخير، على أن يحتفظ بنسبة معقولة من المكاسب لنفسه. و ينطبق هذا التصنيف على نامق (Dyce).



·    الشر غير المدرك المقود:

          و هذا لا يعاني من عقد نفسيّة، أو حتى حاجة لتبرير سلوكه، فهو جزء لا يرى، و لا يسمع، و لا يدرك في ماكينة الشرّ التي تتحرّك بطاقته و طاقة من هم مثله. و ما أن ينفرط عقد الماكينة حتى يهرب هذا و ينطلق، فهو غبيّ و خوفه مؤقّت، أو أنه بسيط ليس لديه سعي سوى الحفاظ على حياته. و ينطبق هذا التصنيف على الكثيرين من سكّان و جنود الصناعة/القلعة (Industria).



-          2:2:3 :الخير:

يمكن تصنيف الخير كما يظهر في شخصيات المسلسل بالشكل التالي:

  • الخير المدرك المؤثّر (فلسفة الخير):

          يمتلك هذا الصنف نمطين من القوّة يقوم واحدها على الإيمان، و الآخر على العقل. و صاحب النمط الأول لا يحقد أبداً، يحب الآخرين، و يصرّ على إنقاذ الجميع –حتى الأشرار منهم- لآخر لحظة. هو ساذج و بسيط و مرح. قد لا يكون متعلّماً، و قد يكون صغير السنّ، و لكنّة يمتلك قناعات –قد لا يستطيع التعبير عنها بكلمات- و لكنّها أصيلة في نفسه، تكاد تكون غريزيّة. يمتلك طاقة داخليّة هائلة تحبّ العطاء و تسعد به. و هو يلتزم بكلمته، و يثق بأصدقاءه، كما يكره الأذى و الظلم. يصبر عندما يتألم، و لكنّه لا ينتقم عندما يتمكّن. قد يكون عنيفاً إذا ما غضب، إنما غير حاقد، و هو ذكيّ و حساس إلى درجة عالية. يكره أن يضطر للقتال، و لكنه شجاع و لا يتنازل أو يستسلم. يضحّي من أجل من يحبّ، و يسامح أعداءه. هذا النمط ينطبق على عدنان، و على لينا، و لوك (Luke).



          النمط الأخريمتلك العقل و المعرفة، و يمتلك مفاتيح التكنولوجيا، و لكنّها لا تستعبده، فهو يعتبرها وسيلة، لا غاية، مع أنه يدرك تماماً أي فخ تنطوي عليه جاذبيّة القوّة...و لذا  فهو على استعداد للتضحية بحياته للحيلولة دون أن تستخدم الآله للسيطرة و الاستبداد و الدمار. و هذا النوع غير قادر على اليأس، لأن بصيرته واضحة و نافذه، و لأنه يؤمن بالإنسان و يمتلك شعوراً عالياً بالمسؤلية تجاه البشر و الطبيعة. و يمثّل هذا النمط الدكتور رامي (Lao) الذي دفع حياته ثمناً على إصراره أن لا يستخدم العلم لإبادة البشر. إنه يحس بالذنب لأنه ساهم في تطوير استخدامات الطاقة الشمسيّة، و لذا فهو يدفع حياته في سبيل أن لا تقع هذه الطاقة في يد علّام (Lepka) و يسمو عبر ذلك على العذاب و الألم.



  • الخير الغير مدرك المؤثر:

          يتأثر بالأخيار من الصنف الأول، و كثيراً ما يكون مثلهم، فهو يسندهم و لا يتخلّى عنهم. و لكن مشكلته تكمن في تفكيره بنفسه، و رغباته الذاتيّة. و على أية حال، فهذا النوع هو الأقرب للواقعيّة و لطبيعة البشر العاديين الذين يصبحون أبطالاً فجأة لأنهم وجدوا التوازن بداخلهم، فبعضهم قد يهدد أصدقاءه ممّن يحاربون في سبيل الآخرين بأنه لن يتقدّم خطوة معهم، و لكنّه لا يفعل ذلك . و مع أن هذا النوع يحبّ الشهرة و المديح و التظاهر، إلّا أنه طيّب القلب، و محبوب. قد يغضب و يحقد، و لكنّه يصفح في النهاية. ينطبق هذا الصنف على عبسي، و على عمّ لينا "المتخصص" بالمتفجّرات و أبناءه و بعض أفراد طاقم نامق (Dyce)، و على الكثيرين من أرض الأمل.



  • الخير المصنوع المتأثر:

          و هو الوسط بين النقيضين، حيث حدود التداخل مابين الخير و الشرّ، و هو المرآه لصنف الشرّ المصنوع المتأثّر، و لكنّه يفوقه بوجود ضمير و معرفة. و ينطبق هذا التصنيف على مجلس العلماء في القلعة (Industria)، إذ بقوا سلببن طالما ظلّ علّام يحكمهم، و لكنّهم انتهوا إلى أن يدفعوا "فاتورة الحساب" عن انحراف العلم و التكنولوجيا بتقديم حياتهم طوعاً في مشهد ربّما يكون أحد أكثر المشاهد تأثيراً في المسلسل. و هو مشهد يذكّر بروح ال"هاركيري" اليابانيّة.



  • الخير البسيط:

          و يمثّله الإنسان العادي، الذي يريد أن يحيا بسلام، دون أن يؤذي أو يتعرّض للأذى. و هو يعمل و يكد من أجل حياته و محيطه، و يقاتل إذا ما تعرّض أحد لحريّته و حقوقه. و يمثّله سكّان أرض الأمل.



رابعاًً: طرق تنظيم المجتمعات البشرية في المسلسل:

          لا يخفي ميازاكي منذ البداية نزعته الاشتراكيّة التي تتبدى بشكل جلي عبر حلقات المسلسل، و تخرج أحيانأً في مشاهد و رموز واضحة، كذلك المشهد الذي يندفع فيه العمّال ليحتلّوا البرج المثلّث و قد حملوا فؤوسهم، أو الجنود و قد حملوا المناجل و انخرطوا في الحصاد.



          و لكن، و حتّى مع هذا "الحماس الماركسي" –إن جاز التعبير- فإن هناك الجانب الأخر الذي  لا نتصوّر أن "التوازن الميازاكي" يهمله، و الذي يحمل في طيّاته نقداً لاذعاً للشيوعيّة اللينينيّة. و قد تجدر الإشارة هنا إلى أن خلفية ميازاكي الماركسيّة تروتسكيّة، و مع حقيقة أن المسلسل تمّ إنجازه في السبعينات، يصبح هذا الجوّ مفهوماً. و لننظر إلى جانبي الأمر:

·        1:4: الحكم المركزي:

          بنظرة متفحّصة لمجتمع "إندستريا"،نجد آلة صناعيّة ضخمة  تدور بعرق و جهد الغالبيّة الساحقة من السكّان و الذين -ليس بالصدفة-  أنهم جميعاً من العمّال،  ممّن توزّع عليهم الآلة خبزهم عديم النكهة و شرابهم عديم الطعم، و لباسهم الموحّد، بينما تلاحق أجهزة النظام و مخابراته كل من يجرؤ على رفع عقيرته بالشكوى...!  ماكبنة تسلّح ضخمة من الصلب و الباطون (لدي كي من البلاستيك و الباطون!)  لا تذكّر إلا بالمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفييتي. و للتشديد على نقده ل"طبقيّة" تنادي بإنهاء الطبقيّة ( فتخرج أسوأ منها) يضع ميازاكي عمّاله في طبقات تحت الأرض، و يضع النخبة العسكريّة المتنفذة ذات العقليّة الإسبرطيّة في الأبراج، بين السحاب!
  




          و لنتتبع التحوّلات التي جرت على مجتمع "إندستريا" عبر المسلسل  لنرى كم يشبه ما حل بالثورة البلشفية تحت السوفييت، دون الخوض في تفاصيل التاريخ التي تخرج عن سياق البحث:

1:1:4:  يفترض أن "إندستريا" في البداية كانت مجتمعاً صناعياً اشتراكيّاً تتوزّع فيه المهمّات وفقاً لحاجة النظام، و يحصل كلّ فيه على حاجته. حيث تصرّف شؤون الدولة من قبل مجلسٌ استشاري ( و لنتذكّر مجلس السوفييت الأعلى) من كبار العلماء (ضروري لدولة عسكريّة صناعية!)  يختار من بين أفراده المجلس الإداريّ (اللجنة التنفيذيّة المركزيّة ربما؟) التي يرأسها أمين عام، أو رئيس للإدارة (الأمين العام للحزب الشيوعي؟)، يساعده نائب عسكري.

    عند بداية المسلسل كان المجلس في نهاية أيّامه، و لكنّه كان يمتلك صلاحيّات فيما يخصّ استخدام الطاقة، أو فتح مخازن السلاح، أو استخدام القطع الحربيّة، فليبكا (علام)  اضطر أكثر من مرّة لأخذ موافقة المجلس على عمليّات المطاردة.



      

1:2:4: يبدأ رئيس المجلس بتجاوز اللجنة، مكتفياً بالنائب، فليبكا يأمر مونسلي (سميرة) بإجراء عمليّة بحث عن (لانا) لينا، و عندما تسأله بشأن الإذن من اللجنة يخبرها بأنه سيفعل ذلك لاحقاً.

2:2:4: يتجاهل رئيس المجلس اللجنة تماماً، و يستلم النائب الجيش الرسميّ بينما  تبدأ عناصر عسكريّة و سريّة بالظهور إلى جانبه بالتدريج إلى أن تتحوّل اللجنة إلى صورة، و يصبح هو دكتاتوراً لا تنقصه إلّا التسمية.




          في النهاية طبعاً تحدث ثورة العمّال، و يتحوّل الجنود إلى فلّاحين، و ينضم النائب إلى الثورة، و لا يبقى إلا عسكر النظام ذوي اللباس الداكن، و المخابرات حملة الرشّاشات القصيرة، الذين لديهم خطط بديلة، و الذين ينتهون إلى الهزيمة أخيراً.





·        2:4: اليوتوبيا (الطوباويّة):

          و هنا يظهر الجانب الآخر للإشتراكيّة؛ إشتراكيّة الفلّاحين في أرض "المرسى العالي"، حيث لا طبقات، و لا ملكيّات، و حيث الأرض و الموارد مشاع، و السلطة شعبيّة لا تناط بها مناصب، و لا تحميها جيوش متفرّغة. و هي فكرة طوباويّة بحتة تتكرر كثيراً في أعمال ميازاكي، و لكنّه لا يدعها طوباويّة تماما، إذ أنه قد وضع الجزيرة تحت الاجتياح الذي تمّ بسهولة، و كان سينتهي بكارثة لولا تدخّل كونان (عدنان) و رفاقه، و تحوّل مونسلي (سميرة) إلى جانب الجزيرة. ثمّ إنه و وضع هناك من يرغبون في الملكيّة كأورلو (نمرو) و جماعته، مما قد يكون إشارة إلى حاجة هذه اليوتوبيا إلى الحماية.

خامساُ: النصر و الهزيمة.

          يقدّم ميازاكي في "عدنان و لينا" دروساً مهمّة في جدليّة النصر و الهزيمة؛ فأنت تنتصر بما تركت من تأثير، لا بكم قتلت و دمّرت، و تنتصر بكونك لم تستسلم و لم تتراجع عندما ضاقت بك الحال، لأنك تؤمن بغاية سامية، و لا يجدر بمن يؤمنون بغاية نبيلة أن يرهبوا القوّة العسكريّة التي قد تمتلك أسلحة، و معدّات، و أفراد أكثر، ذلك أن القوّة تنبع من الإحساس بعدالة القضيّة و نبل الغاية، و هي النقطة التي يفتقد إليها الطرف المعتدي.

          ثم إن الأمل في نفوس بسيطة، صلبة الدواخل، و مستعدّة للبذل و العطاء، قادر على تحويل الكثير من النفوس الشرّيرة، و لا يستعيد الإنسان البساطة و الصفاء بعيداً عن الطبيعة، حيث أن توحّده و تفاعله معها ينتزع منه الخوف، و يسمو به عن العنف.



          في عدنان و لينا، تظهر الصداقة بصورتها الحقيقيّة، حيث البراءة، و التضحية، و المحبّة، و التسامح، و الثقة  في أقصى درجاتها. إنها، و باختصار: الإنسان كما يجب أن يكون!

تم بحمد الله


No comments:

Post a Comment