Pages

Thursday, 22 December 2011

بس تصريح…


بس تصريح…

         حاجز عسكري إسرائيلي على مشارف مدينة القدس. جنود يتمركزون في نقاط عسكرية على مرتفعات على جانبيّ الطريق،يستترون خلف مكعّبات إسمنتية،متّقين المطر تحت مظلّات خاصّة. على الطريق مكعّبات إسمنتية وعوائق بلاستيكيّة تغلق الطريق أمام المركبات و المشاة. جنود مدجّجون بكامل عدّتهم الحربيّة و قد انقسموا إلى فريقين:فريق يفتّش السيّارات التي تبدو بعيدة في الخلفيّة،و آخر يفحص هويّات المشاة…
          عند أحد المكعّبات، يقف ثلاثة رجال بانتظار انتهاء فحص هويّاتهم، أحدهم عجوز جاوز السبعين، يقف ملتفعاً بكوفيّته، و الآخر شاب يبدو أنّه فقد إحدى عينيه حديثاً،يجلس على حجر،و الثالث رجل في حوالي الأربعين يمسك بباقة من الورود، وصحيفة..
          قريبا منهم يقف جنديّان، يبدو أنّهما يتجادلان مع صاحب المركبة العموميّة التي جاءت المجموعة فيها، يتبادل أحدهما مع السائق الشتائم ثمّ يصرفانه

الشاب
ولاد الحرام! هاي رجّعوا الشوفير!مش قلتلكم بالطريق… مش رح يدخّلونا! لو الله و الملائكة اتّدخّلوا مش رح يدخّلونا… الشيطان تفّ علينا؛ خلص:انتحسنا!
العجوز
و هم مين كاينين هذول؟! ومتى أجوا؟! ما صارلهمش ليلة ويوم يا بنيي، و العرب ما ترظى بها لحكي… بكرة بيجوا و بيكشّوهم…
الشاب
الله يعينك يا حجّي، باينّه عقلاتك ترلَلّي: ليلة ويوم؟! صارلهم ثلاثة و خمسين سنة متمسمرين هون وداعسين عرقابنا، ما خلّولنا إشي ينطق عربي!
العجوز
لا يا بنيّي…(يخرج مفتاحاً من جيبه) أنا رايح اليوم عيافا.. رايح عداري،مش صابر عفراقها أكتر. و رح ألاقيها زيّ ما هي. بجوز يكونن الوردات ماتن (بحزن)، بسّ مش هالمصيبة، بجيب غيرهن، ما همّ ما سألوا ببني آدمين لمّا خَشّوا، بدهم يسألوا بورد ؟
الشاب
شُف المجنون…!
العجوز
أنا مش مجنون، إنت اللي مش شايف…
الشاب
(يردّ بغضب) لأ شايف! شايف!! ومن كثر ما شفت راحت عيني.. كنت حمار..! قال بدّي أرجّع_ مش حيفا و يافا، يا ريت_ بدّي بَسّ أرجّع حاكورة ستّي اللي سيّجوها، و ما كنت شايف… هسّه شفت؛ شفت الرصاص: شفت العمى!!
العجوز
(يرفع كمّ سترته عن ذراع بلاستيكية) و بكره كمان تشوف إذا بتسكت..(يبتعد ببطء، ولا يحري الشابّ جواباً.)
الرجل
(للشابّ، و هو ينظر للعجوز المبتعد) هدّي ياخي. سيبه بحاله، خلّيه يحلم..(ينتقل العجوز بين الجنود، و يبدو أن كلّ واحد يرسله إلى الآخر)
الشاب
(يصرخ فجأة)و انت الثاني؟ من كلّ عقلك_ بلا هويّة ولا رقم وطني_ و بدّك تروح عالقدس؟_وبلا تصريح! والله كنها العالم إنجنّت.
الرجل
ششش..!
الشاب
و مالك خايف؟ واحد زيّك معوش رقم وطني ولا هويّة، معناته كاين مناضل و ابن حبوس، ولا كان رضيوا عليك، و أخدت هويّه_ حتى بجوز صرت وزير، زيّ هالخ _ولاّ بلاش. بسّ شكلك تعلّمت السكوت بسجون هالأنظمه..إحكي! إحكي ما هم كلّ اللي فيهالبلد بيحكوا(بيأس) عالفاضي…
الرجل
إنت ليش هيك محروق؟ المشكلة مش خوف! أنا مستعجل و مش معني بتأخير زيادة؛ خالتي بحالة حرجه بالمقاصد و ما كان إلي إلاّ أخاطر و أفوت هيك، شو عرّفني إنهم رح يوقّفونا هادي المرّة؟
الجندي1
(يأتي مع بطاقتيّ هويّة) هاي هويّة عشان تمشي… وتكرير دكتور كمان؟ مخرّب يهاجمنا ويروح دكتور عِنا…
الشاب
و كمان بدكم تحاسبوني عشان ضيّعتوا عيني!؟
الجندي
أنا إشتغل من سنه في "ماغين دافيد"(متصنّعاً الأسف) عينك فيه رصاصة، ما ترجع تشوف فيه تاني.إنت رايح مستشفى علفادي… بسّ (ينظر إليهم مدقّقاً) وين هويّة تاني؟
الشاب
أيّ تاني؟
الجندي1
(غاضباً) الهويّة!! إنتوا تنين و هون واحد هويّة!!

يدخل الجندي2 وخلفه عروس بثوب الزفاف، يبدو أنها قادمة من الاتجاه المعاكس لاتجاههم. يشير إليها بالوقوف مع المجموعة، ثم يقف منتظراً أوامر زميله

الشاب
و هاي كمان وحده الله غضبان عليها!
الفتاة
رح أمرق! عريسي بيستنّاني عالجهة التانية، ومعة تصاريحه و كلّ الوراق.. رح أمرق!
الشاب
إنشالله توقّف عتأخيرة وتنفع هالوراق و تمشي. بسّ هدول بسّ بدهم يذِلّوا و يبهدلوا..
الجندي1
إخرسوا! أنا ما معو وقت! مين واحد ما معه هويّة؟
الرجل
(يريد الشاب أن يجيب، لكنّ الرجل يسبقه) أنا.

  (الجندي2 يحاول التفاهم مع الشاب بهدوء ليبتعد عن المجادلة)

الجندي1
ما في تصريح، و كمان تيجي تدخل إسرائيل و ما في هويّة؟!  أصلاً ليش بأرض إسرائيل إنت و ما في هويّة ؟ عمل شي ضدّ إسرائيل؟ مخرّب؟
الشاب
(يفلت من الجندي2) إنتوا اللي تأخرتوا عليه بالرقم الوطني، الزلمه قريبي، و طول عمره مالوش بالسياسة.
الجندي1
إنت تخرس.. ما بحكي معك! (للرجل) وين رايح بيروشلايم؟
الرجل
أزور خالتي بمستشفى المقاصد.
الجندي
إنت كذاب.. بدّك تفوت تخرّب! إحكي صحيح: ليش ما في هويّة؟!
الشاب
(ساخراً) إحكي لو كانت معه.. كتيييير نفعته..!
الجندي1
(يتّجه نحوه بغضب، و الجندي2 يتبعه فوراً) إنت ما بدّه يخرس!؟ بدك تضلّوا عالمخسوم يومين؟!(يدفعه، لكنّ الشاب يتمالك نفسه وينهض)
الفتاة
مشان النبي مشّوا هالناس، و خلّينا نمشي!
الشاب
الزلمه مستعجل،ورايح حاله طارئه: خالته بالمستشفى بدها تموت..!
الجندي1
على إيري! عيروشالايم  مش رح يفوت! أنا بدّي إعرف واخد زيّه كيف بدّه يدخل إسرائيل بشكل غير كانوني!(يبدو كمن تذكّر شيئاً) أصلاً كيف دخل إيرتز إسرائيل إلكبير أصلاً !؟!

يرنّ جرس هاتف نقّال. يتردد الرجل قبل أن يجيب. يستمع للحظات،تتغير تعابير وجهه و يسقط الورد و الصحيفة من يده

الرجل
… بعمرك الباقي يا دكتور..
الجندي1
شو؟ إتصّل تنظيم ؟ ما زبط فيلم خالتك مريض؟

ينظر إليه الرجل بصمت لفترة طويلة، ويتقدّم الجندي الآخر كمن يتوقّع حدوث شيء.

الجندي2
(يلتفت ما بين هذا وذاك) لا..مش كذاب، حكي مزبوط..آسفين..(يلتقط غضب رفيقه)بس إنتوا دايما بيكذب، و ما بيحترم جيش هجناه إسرائيلي..
الجندي1
بسّ برضه بدّه يفوت "حكيرا": تحقيق عند بوليس.. خليّك هون ...(يلتفت للفتاة) و إنت وين تصريخ؟
الفتاة
(تبرز هويّة زرقاء خاصّة بالقدس) أنا مواطنه عند حضرة جنابكم..
الجندي1
إنت مواطن لأنه إحنا منيح معك، بس إنت مش زي مواطن يهودي؛ مواطن يهودي ما يساعد مخرّبين.. عريسك مش مواطن. وين أوراك عريس تبعك؟
الفتاة
عريسي ما بدّو ييجي! أنا بحالي رايحه عنده عشان أريّحكم.. خليني أوصل عنده ، و سيبني بحالي!
الجندي1
و ليش ما بيجي عريس هون؟! ولاّ خايف؟ مطلوب؟!
الفتاة
إنتوا ليش بتعقّدوا كل شي،و ما بتعرفوا إلاّ تخلّوا الناس تكرهكم؟!شو بدكوا بوراق حدا مش داخل عندكم؟! خلّوا الناس بحالها، وخلّينا نمرق!
الجندي1
أنا ما يهمّني تحبّ ولاّ تكره. أنا بيهمّني أمن إسرائيل. مخرّب ما يدخل إسرائيل، حتّى لو عريس!
الفتاة
و هو دخل إسرائيل؟ ما هيّاته بيستنّى أطلع منها..!
الجندي1
و ليش ما إجا عالمخسوم؟ معناته خايف! معناته عامل شي!!
الفتاة
لا إله إلاّ الله! بدّه يجنّن سمانا!
الجندي1
إنت تجيب عريس تبعك لهون، أو تروح حافي عند عريس.. (الفتاة تتأفف، ولكنّها تخلع حذائها لا مبالية بسخرية الجندي. يكاد العجوز يعبر الحاجز في الأثناء. ينتبه إلى ذلك الجندي2)
الجندي2
(لا يزال مراقباً الشاب) عمهلك يا خجّ! وين رايح، هوه!
العجوز
(من بعيد، ملوّحاً بالمفتاح) مروّح عداري. عيافا..!
الجندي1
(مخاطباً زميله بغضب) "تخزير أوتو! تجيد لوه" دار بحّ: ما في! مفتاخه كديم و في كفل باب جديد!

يذهب الجندي2 و يحاول التفاهم مع العجوز، ويبدو أنّهما يتناقشان. يحاول الجندي أن يتصرّف بلطف.العجوز يخرج أوراقاً قديمة.الجندي يحاول أن يشرح له بإخراج بطاقات هويّة زرقاء و خضراء و برتقاليّة. العجوز يهمله و يسير و  يحاول الجندي اللحاق به.

الجندي1
(يسرع باتجاههما. يجرّ العجوز، ثمّ يقذف به خارج الحاجز. يأخذ أوراقه، ثمّ يلقيها خلفه)روح عدارك! يافا بحّ.. ما في يافا!
الشاب
ملعون سماك!

يخرج الشاب هويّته البرتقاليّة. يقذفها على الأرض. يدوس عليها، ثمّ يركض باتّجاه المشهد.. الجندي1 يخرج سلاحه و يطلق عليه النار.. يسقط الشاب مضرّجاً بدمائه.

الجندي2
(يدفع الجندي1 الذي يتجمّد ذاهلاً، و يذهب لفحص المصاب) "رتسختا أوتو"!!
الجندي1
"ميخابيل"!مخرّب! كان بدّه يكتلني! هاده عينه راحت و هو يطخّ عاليهود!! (يتجمّع جنود و يمسكون بالرجل خوفاً من ردّ فعل)
الجندي2
خلاص.. خلاص.. فلّتوه..! رجّعوهم كلهّم.. كلّه يرجع برّه! بسرعة! ما حد يدخل مخسوم (يتوجّه نحو الرجل) إنت بسرعه إرجع، كبل ما يشوف! (يدفع به لكي يعود، موجّهاً إيّاه للطريق، لكنّ الرجل لا يلتفت عن المشهد أمامه).

الفتاة تفكر باسترجاع حذائها،و لكنّها أخيراً تمسك بأطراف ثوبها و تشرع في السير حافية باتجاه رام الله

الفتاة
(للرجل) بسرعة، قبل ما يصحى الكلب التاني على حاله!
الرجل
مش راجع بدونه.مش هيك الشهيد يضلّ بين رجليهم..(يسير باتّجاه الشاب.تهز الفتاة برأسها آسفة.)
الفتاة
(كما لو مع نفسها) الله يرحمه. نيّاله شهيد؛ بكره بيردّ حد على موته…بسّ مش أنا، ومش اليوم..!(تمسك بذراع العجوز مساعدة إيّاه على النهوض) يلّلا يا عمّي… مش اليوم بتروح يافا..! قتلت زلمه بأحلامك_ يلّلا قبل ما تقتل قبيلة..!
العجوز
بكره… بكره بيجوا العرب و بنخلص من هالمجرمين..!
الفتاة
آه.. بكره.. بس يلّلا، بتروح و بتستنّاهم هناك برام الله عشان تدلّهم عالطريق، لأنه خوف الله عربك معميّه قمارهم…
العجوز
معك حقّ يا بنتي؛ دايماً بيخربطوا بالطريق؛ بيظيعوا..(ينهض، ويبتعدان)
الجندي2
( يهمس للرجل المنحني بجانب الجثه) روح بيتك بسرعه كبل ما صاحبيني ينتبهوا..!
الرجل
(يجمع الورد المتناثر) بالك في ورد يكفي لكلّ الشهدا؟
الجندي2
(يحاول، محرَجاً، مساعدته على جمعها) أنا بيخطّ ورد عليه، بس روخ كبل ما "كتسين" يخبسَك..!
الرجل
ليش، مع "كتسينَك" أو بدونه، أنا مش من زمان محبوس بسجن  اسمه الوطن العربي الكبير؟! خلّي هالسجن نكبة عن نكبة يصغَر…


ستار

No comments:

Post a Comment